في مواكبهم البهيّة / خولة المغربي

في مواكبهم البهيّة

هي لحظات وثواني يرهقها الانتظار، الذي لا نطيق عليه صبراً، وتضيق الأرض عليه بما رحبت والسماء، لحظات انتظار نتائج التوجيهي والتخرج الجامعي، التي يطول ليلها فلا ينجلي، وينوء بكلكل، نظرات الترقب الدامعة الراجفة، والأنفاس المحبوسة المكتومة، والدموع المترقرقة فلا هي تنهمر ولا هي تنحسر، كأنها جمدت في المآقي فتخون تارة، وتفي بوعدها تارة أخرى، وتنهمر فرحاً أو خيبة، لحظة معرفة النتيجة.
لكلٍ منا ذكرياتٌ محفورةٌ في الذاكرةِ كما النقش في الحجر، تتربعُ على عرشها اثنتا عشرَة سنةٍ، قضاها كلٌّ منّا بين حنايا مدرستِه، فلن ننسىى الصورة الأولى التي حرصَ والدانا على التقاطها في اليوم الأول بالزيّ المدرسي ولمّا نتهجأ بعدُ الحياةَ، في الوقت الذي لم يخطرْ ببالِ أحدِنا في حينِه، هذه اللحظة الآسرة لالتقاطِ صورِنا في ثوب التخرج، اثنا عشرعاماً مرّت وكأن الطَّرفَ لم يرتدْ بعدُ إلى جِفنِه، ليحتضنَ الذكريات: سهر الليالي الطويلات، والنوم يجافي الجفون ويتمنع عليها، توترُ ما قبل الامتحان، ترقبُ النتائج المكتوي بجمرِ الثواني، الدعاباتُ والمزاح العفوي، روحُ المكان الذي يجمع أجسادَنا، ساحة المدرسة التي حفظت خطواتنا عن ظهر قلب ويردد صداها ضحكاتنا ونكاتنا، طريقَ المدرسةِ الذي كان يحملُ معنا النعاسَ صباحاً ولذةَ الغفوةِ برؤوسِنا الملقاة على نافذة الحافلة تداعبُ أحلامَنا الكبيرةَ بحجمِ الوطن، وتحملُ الحياةَ بكلِّ ما تحملُه من معاني العنفوانِ والشبابِ مساءً، هي ذكرياتٌ حاضرةٌ في الذهن لن تفارقَه ما حيينا، وأراني أرنو بعيدأً بعد عشر سنوات أو تزيد، إذا مرّ أحدُنا بهذه الطريق، أو لامست أهدُابه جدرانَ هذا الصرح ذات زمن، ألاّ يخفقَ قلبُه وجداً وذكرى .
إليكِ … إليكِ وأنتِ ترقبين الحرف الأول ينبجسُ من بين شفتيّ، والخطَ الأولَ الذي خربَشَتهُ يدي على جدارِ الغرفة وبابها، فتلاشى غضبُكِ وسكنَه الفرحُ إذ كتبتُ ماما، فترقرقت الدمعةُ في عينيكِ الجميلتين فرحاً، كما هي تترقرقُ الآن وأنت تَرَينَني أعتمرُ قبعةَ التخرجِ وأرفِلُ في ثوبِه، فهي نظرة عشق واحدة، لن يكررها الزمان مهما طال، ومهما استحضر من ذكريات تستعصي على النسيان، ألا فاسمحي لي أن أقبِّلَ يديكِ الطاهرتين أمي، على الصبرِ والتعبِ والسهر والانتظار، لك الحب كله وخالص الدعاء، لأنك كنت صليب الطريق إلى لحظةِ العشقِ هذه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى