حارة ابو عواد وزملاؤه الفنانين / د . خالد غرايبة

حارة ابو عواد وزملاؤه الفنانين
في حديثٍ مع بعض الزملاء من اساتذة الجامعات الاردنية والذين يعملون حاليا في سلطنة عمان، قلت لهم إن جزءاً كبيرا من احترام أهل الخليج العربي للأردنيين سببه تآلفهم مع الثقافة الاردنية والذي كان سببه المسلسلات الاردنية التي انتشرت في الثمانينيات.

لقد اخبرني صديق مصري عاش حياته في ليبيا في فترة الثمانينيات، حيث كان يعمل والده، إن الشوارع كانت تخلو من المارة عند عرض المسلسل الاردني الكوميدي “حارة ابو عواد” . وقد اخبرني آخرون ان ذلك كان يحدث في عدد من دول الخليج عند عرض المسلسلات الاردنية.

لقد كان من الممكن ان يواصل الفن الاردني صعوده وان يصل الى مستوىً رفيع؛ فالفنانون الاردنيون برغم قلة عددهم وضعف حيلتهم وضعف امكانياتهم المادية لا تنقصهم المهارة ولا الموهبة والمخرجون الاردنيون اثبتوا قدرتهم عربياً والمؤلفون الاردنيون برعوا في تصوير اصالة الاردن ووصف ثقافته، الا ان الدراما الاردنية شهدت انحدارا عنيفا في التسعينيات وما بعدها ادى الى موتها تماما في بداية الالفية.

ربما كان التطور الكبير في وسائل الاتصال وظهور الفضائيات سببا لذلك التراجع حيث اصبحت المنافسة شرسة مع آخرين لديهم امكانيات اكبر وتاريخ اطول، الا ان العامل الاكبر في تراجعها كان ذاتياً بامتياز.

مقالات ذات صلة

وقد ادى تراجع الفن الاردني الى قطع ارزاق كثيرٍ من الفنانين الاردنيين او تحولهم الى مهن اخرى و ضاقت عليهم الارض بما رحبت. وقد سمعت أن احدهم (والذي اضحك الملايين) مات فقيرا وظهرت زوجته على احد البرامج الاذاعية تشكو فقرها وعوَزها بينما تحول مطرب اردني معروف الى مهنة مؤذن في احد مساجد عمان.

لقد كانت المسلسلات الاردنية برغم تواضع امكانياتها وضعف خبرة عناصرها، فناً راقيا بعيدا عن الابتذال، صوَّر المجتمع ونقده، ونشرَ الثقافة واللهجة الاردنية خارج الاردن وامتع الملايين من العرب.

ولكن الاهم كان ان تلك المسلسلات عمَّقت انتماء الاردنيين لوطنهم وثبتت فيهم قيَمهم الاردنية الفريدة وعرَّفتهم ببعضهم البعض وخلقت لهم ثقافةً اردنية تميزهم عن غيرهم وتقف في وجه كل من يشكك بوجود بلدهم وبانتمائهم لامتهم وبتضحياتهم في سبيلها.

لقد رافق تراجع الفنون في الاردن تراجعاً قيمياً واخلاقياً، خصوصاً خلال التحول الاجتماعي والاقتصادي الكبير الذي حدث بعد الحروب التي جرت في المنطقة منذ بداية التسعينيات.
اننا نرى تلك التغييرات (والتي معظمها سلبي) يوميا في طباع الناس وفي طريقة كلامهم وفي سلوكهم اليومي وفي تعاملهم مع بعضهم البعض وفي تراجع ذوقهم العام. على ان تراجع الاخلاق والذوق العام للمجتمع لم يكن سببه ذلك التحول الاجتماعي فقط، فهناك اسباب موضوعية اخرى كثيرة.

الا اننا في المقابل لا نعلم إن كان تراجع الاخلاق والذوق والانتماء هو سبب تراجع الفنون ام ان تراجع الفنون هو ما ادى الى تراجع اذواق الناس واخلاقهم، ولكن الثابت ان تكديس حملة الشهادات واهمال الفنون والآداب مؤشرٌ على فشل المجتمعات وتراجعها الحضاري. فكل المجتمعات في العالم تستطيع انتاج المهندسين والاطباء، ولكن المجتمعات العظيمة والراقية فقط هي التي تستطيع انتاج فنانين وهي فقط من يقدم لهم الاحترام والتشجيع والتقدير.

ودمتم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى