#تأملات_رمضانية

#تأملات_رمضانية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى: “فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ” [المائدة:52].
لعل من معاني هذه الآية ما نراه في هذا الزمان، من هرولة منافقي الأمة الى التطبيع مع العدو، وتبريرهم لفعلهم الشنيع هذا الذي يدركون مدى بشاعته هو: (نخشى أن تصيبنا دائرة)!.
في زمن نزول هذه الآية لم تكن موازين القوى لصالح المسلمين، بل كانت لصالح أعدائهم وبشكل بائن، وبالحسابات المادية الصرفة، كانت هزيمتهم مؤكدة، إذ تشكل أول حلف من أهل الكتاب والمشركين، ليحقق اجتثاث الدعوة الى منهج الله في مهدها كونهم رأوا في تطبيق منهج الله خطرا على مصالحهم، لكن الله حمى تلك الفئة الضعيفة، ونصرهم على القوة الغاشمة، لأنه أراد لهذه الدعوة أن تصل الى كل البشر، وكان ما أراده.
هذا التحالف لم ييأس، بل ظل يعاود محاولاته في عصر وزمان، لهذا ما زال هذا الصراع قائما الى اليوم وسيبقى الى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
هذه سنة الله في خلقه، فهو تعالى يسخر الصراعات، كواحدة من آليات الابتلاء لعباده، وتمحيص الصادق منهم من المنافق، ويجتبي إليه المخلصين ويتخذ منهم شهداء، وفي الوقت نفسه فإن صراع الحق مع الباطل يقوي أهل الحق ويمرسهم في تحمل الشدائد، كما يؤدب بهم العصاة والكفار، ويشفي بنصره أهل الحق صدور المؤمنين ويعزز إيمانهم، فتزداد عزيمتهم مضاء وهمتهم في فعل الخيرات ارتقاء.
من بين أفراد الأمة من هم ضعيفو الإيمان أو طامعون في المغانم الدنيوية، فهم غير صادقي العهد مع الله بأنهم شروا أنفسهم وأموالهم ابتغاء مرضاته، ويريدون العاجلة ولا يبتغون الآجلة، فهؤلاء الفئة: “مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ”، ويتمثل هؤلاء في كل العصور بالإنهزاميين والمتخاذلين من بين حكام المسلمين، يريدون البقاء في الحكم، ولا يعدون العدة والتجهز لمقاتلة المعتدين لما في ذلك من كلف عالية، لذلك لا يريدون المجازفة والمواجهة مع العدو، خاصة وأنهم لضعف إيمانهم أصلا لا يؤمنون بأن النصر من عند الله، وأن معاييره مادية فقط.
هؤلاء يسعون لمسالمة العدو، فيرضخون لشروطه مقابل أن يبقيهم في الحكم، ومسماهم المعاصر: المطبعون.
هذه الآية الكريمة هي مبشرة فتطمئن الصادقين، ومنذرة تتوعد المنافقين الذين هرولوا الى موالاة اليهود طمعا في نجاتهم وأهليهم من بطش قوى الأحزاب العاتية التي كانت تحاصر المدينة وتتهيأ لدخولها، وقد ثبتت مصداقيتها، فلم تتوقف عند إنجاء المسلمين ورد المعتدين خاسئين، بل تعدهم بإحد أمرين يمثلان أقصى طموحات وآمال المسلمين في ذلك الوقت: الفتح أو إهلاك أعدائهم.
وحدث كلاهما، وتعلم المسلمون من يومها أن وعد الله حق، وأن الحسابات الإيمانية أصدق من الحسابات المادية المجردة، فقد قدر الله أن ينقض المشركون عهد الحديبية بعد سنتين، ليكون ذلك دافعا لغزو مكة، ولم يكن المسلمون يأملون آنذاك أن قلعة الشرك تلك ستسقط، لكن الله أوقع في قلوب المشركين الرعب، فانهارت عزائمهم واستسلموا بلا قتال.
هكذا صدق الله وعده، وعندها أسقط في أيدي المنافقون، وخابت رهاناتهم.
نتعلم من ذلك أن لا نستبق الأحداث ولا نستعجل تحقيق وعد الله، فهو محقق لا محالة، لأن الأمر كله بيده، ففرعون توعده الله بالهلاك في عز جبروته، وكان البدء بتحقيق الوعد يوم أن ولد موسى، وكل ما جرى منذ ذلك كانت مقدرة مرتبة لتحقيق ذلك الوعد، صحيح أن معاناة طويلة وأحداثا جسيمة حدثت، لكن في النهاية تحقق الوعد.
كذلك وعد الله بدخول المسلمين الأقصى المحتل، سيكون بإذن الله كما دخلوه أول مرة، تسليما واستلاما، إثر انهيار الكيان اللقيط، وقد بدأت إمارات تحقق ذلك الوعد بمعركة الطوفان، وانسحاب الأحزاب المعاصرة خاسئة، ثم الانطلاق بعدها الى القدس للفتح المبين.
صحيح أن معاناة المجاهدين كانت طويلة، لكن ذلك لكي ينكشف كل المنافقين الذين تراكضوا الى تقديم الولاء للعدو خوفا ان تدور الدائرة عليهم، لكنهم حينما يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده، سيطالهم الندم كثيرا على أنهم كشفوا عن نواياهم

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى