زهرة يفوق ثمنها سعر الذهب

سواليف
اعتاد اليونانيون والرومان القدماء، استخدام عطر أخاذ لتعطير ثيابهم وملاءاتهم، إلا أن المثير للدهشة أن الناس في يومنا هذا، وبعد مضي قرون على ذلك، ما زالوا يبحثون بشكل مستمر عن الزهرة النادرة التي استخلص منها ذلك العطر، والتي رسمها “فان غوغ” في إحدى لوحاته الشهيرة، على الرغم من ندرتها، وسعرها الثمين الذي يفوق سعر الذهب.

ويشكل هذا العطر الثمين، مزيجًا من روائح التوت البري، البنفسج والفلفل، ويستخلص من زهرة “أوريس” النادرة، التي تنمو في توسكاني بإيطاليا، وتباع في المحلات التجارية الشهيرة مثل giaggiolo، وهذه أسرارها الخفية، وفقًا لموقع “بي بي سي”.

التقليد الذي ما زال ينبض بالحياة:

بدأ تاريخ صناعة هذا العطر الأخاذ، حيث قطفت زهور الأوريس للمرة الأولى قبل قرنين من الزمن، في مزرعة “برونيتي” في الريف الإيطالي، بالقرب من قرية سان باولو التي تبعد 30 دقيقة بالسيارة عن مدينة فلورنسا.

وانتقل تقليد صناعة هذا العطر من جيل إلى جيل، حتى وصل إلى عهد الأخوين باولو وجيوني برونيتي، اللذين يكرسان جهودهما اليوم للحفاظ عليه، واستخلاص الرائحة من زهرة الأوريس، بطريقة منزلية فريدة، مكلفة ومعقدة للغاية، وتحتاج الكثير من الأيدي العاملة، من دون اللجوء للآلات الحديثة.

وتزهر نبتة الأوريس في شهر مايو/ أيار في التربة الصخرية ومناخ البحر المتوسط المعتدل، وتحتضن سان باولو كل عام مهرجانًا للاحتفال بنموها على مر العصور، ويقول جيوني: “من الرائع للغاية رؤية كل هذه الهكتارات من الأراضي الزراعية، تتحول للون الأزرق كل عام”.

50000 يورو مقابل كيلو غرام واحد:

يجري حصاد الزهور في أشهر الصيف، من يونيو/ حزيران حتى سبتمبر/ أيلول، وتنبش جذورها من الأرض بمجرفة ذات رأسين، ثم تنظف وتقشر باليد قبل أن تجفف في الشمس أو تجهز لتقطير العطر، في حين يترك جزء صغير منها عالقًا بساق النبات لتعاد زراعته.

وتتطلب عملية إنتاج العطر سنوات طويلة، إذ يجب أن تبقى الجذور 4 أعوام تحت الأرض، قبل أن تصبح جاهزة لاستخراج الرائحة، كما ينجز العمال كل شيء يدويًا، ابتداءً بالزراعة وانتهاء بالتقطير، من دون الاعتماد على الآلات نهائيًا، ولعل هذا قد يفسر أهمية العطر التاريخية، وثمنه الباهظ، حيث يبلغ سعر الكيلو غرام الواحد، من زهرة الأوريس ذات الجودة العالية، أكثر من 50000 يورو.

تأثير كاترين دي ميديشي:

لم تنس كاثرين دي ميديشي، المتزوجة حديثًا من هنري دوق أورليانز، وملك فرنسا لاحقًا، أن تحضر معها إلى باريس مجموعة من الأعشاب والتوابل أحضرتها من بلدها فلورنسا، وكان من بينها زهرة الأوريس، وطلبت من عطارها الشخصي الذي سافر معها، صناعة عطر خاص بها، مستخلص بشكل أساسي من هذه الزهرة عام 1612، وأطلقت عليه اسم “مياه الملكة”.

ويبدو أن سمعة الملكة الشريرة، المرتبطة بمجازر فظيعة ارتكبتها، ساهمت بانتشار استخلاص العطر من أزهار الأوريس، وصارت رائحتها من أشهر أنواع العطور الثمينة العصرية بعد وفاتها، التي يعزوها بعض المؤرخين إلى مستخلص مسموم من زهرتها المفضلة نفسها.

رائحة الجنة:

يعتبر عطر زهرة الأوريس استثنائيًا، في عالم العطور الذي تطغى عليه المستحضرات الكيميائية المضافة، إذ تحصد النبتة يدويًا بشق الأنفس، وتتيح كميات ضئيلة من رائحتها صناعة مجموعة واسعة من المستحضرات، التي تتضمن العطور، المشروبات، وحتى الدواء.

ولا يزال هذا العطر الغريب الذي يطلق عليه اسم “رائحة الجنة”، يستحضر في الذاكرة صور النبلاء وطقوسهم المقدسة، إذ كان يوضع قبل وقت طويل على معاصم الملوك لتعطيرها، أو يستخدم مسحوق نبتة الأوريس الناعم، لتهدئة آلام أطرافهم المؤلمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى