في هدر «الحال» العام / يوسف غيشان

في هدر «الحال» العام

أكبر إمبراطورية نشأت في التاريخ حتى الآن ، أتحدث عن إمبراطورية جنكيز خان التترية، التي امتدت من شواطئ الصين مجتاحة آسيا وأوروبا حتى رومانيا، مرورا ببلاد فارس و آسيا الصغرى والمشرق العربي. هذه الإمبراطورية العملاقة التي أورثها جنكيز خان لأحفاده كانت اكبر بثلاث مرات من الإمبراطورية الرومانية في أوسع فتوحاتها ، وبالتأكيد اكبر من الإمبراطوريتين: اليونانية و العربية بمرات.
لكن هذه الإمبراطورية تضاءلت وانكفأت على نفسها إلى أن زالت دون أن تترك أي اثر حضاري حقيقي، لا بل أنها انهارت أمام الحضارات الأخرى وتعلمت منها ، إلى أن تحول التتار إلى مسلمين بفعل تأثرهم بالشعوب التي قهروها وقمعوها. صحيح أن تلك الإمبراطورية لم تترك أثرا حضاريا ، لكنها تركت الدمار والرؤوس المصفوفة على شكل جبال ، والموت الزؤام…لكن الحياة كانت وما تزال اقوى من الموت .
كل هذه المقدمة الابن خلدونية لأقول أن الحضارة هي المقياس ، وهي بوصلة التاريخ وشجرته دائمة الاخضرار. وأن دولة صغيرة من الممكن إن تكون منبرا إشعاعيا اذا كانت الثقافة هي همها الأول .
أقول قولي هذا وأنا أرى حالنا الآن – نحن العرب العاربة والمستعربة- ونحن ننكفئ خارج دفتر التاريخ، رغم موروثنا الحضاري العظيم ،لأننا تحولنا من فاعلين إلى حالمين ، ومن عاملين إلى متفاخرين بالماضي فقط لا غير … إلى إن تجاوزتنا شعوب الأرض: معظمها.
الإنسان بلا حضارة هو إنسان مهدور ، حتى لو كان على أرضه وبين جمهوره، والإنسان المهدور هو إنسان ضائع. وبدون استثناءات فان لكل دولة عربية نصيبها من الهدر اللاإنساني ، كما أن لكل مواطن عربي نصيبه النسبي من الهدر…لا بل أن الهادر نفسه يتحول إلى مهدور بشكل من الأشكال.
مع الزمن يكبت الإنسان وعيه بكونه مهدورا ويتصرف على أساس انه كائن بكامل حريته، ليحصل على توازن نفسي مقبول يجعل الحياة ممكنة، ويفرح بما يحصل عليه من فتات الغنيمة – لأنه انصاع لهدره- وربما يحصل على المناصب والمكاسب ، وينسى أن كبت وعيه هو حيله نفسية استخدمها الدماغ ليتعايش مع الواقع.
داخل الدماغ البشري هناك كتلة في وسطه يسمونها (الهيبوتلاموس) ولا يزيد وزن هذه الكتلة عن 5 غرامات ، وهي تضبط وظائف الأكل والنوم والجنس والانفعال….الإنسان المهدور يعيش ضمن هذه الكتلة التي لا تساوي اكثر من جزء من الواحد بالمئة من وزن الدماغ، بحيث يتحول إلى كائن أسير لحاجاته الغرائزية – كالحيوان تماما- ويختفي التفكير الإبداعي والإحساس بوعيه البشري.
كيف يمكن أن نخرج من دائرة الإنسان المهدور والأمة المهدورة؟؟؟؟
لا اعرف في الواقع ، فهذا سؤال اكبر بكثير مني ويحتاج إلى علماء نفس واجتماع ، لكن ما اعرفه هو أن الاعتراف بأننا مهدورون تماما والإحساس بأننا مهدورين فعلا ..هو بداية البحث ، لأننا نعترف بالمشكلة ونبحث لها عن الحلول……!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى