في تفسير مقتل سليماني؛ وماذا بعد؟

في تفسير مقتل سليماني؛ وماذا بعد؟
د. ماجد عوض العبلي*

الجزء الأول: في التفسير
هناك اتجاهان أساسيان يمكن وفقا لهما تفسير مقتل سليماني:
الاتجاه الأول:
ويقوم على فرضية تناقض المصالح بين أمريكا وإيران؛ وبالتالي فإن إيران وفقا لهذا الاتجاه قد ارتكبت خطأ فادحا، حيث تمددت على حساب هيبة ومصالح أمريكا في المنطقة العربية أكثر من القدر الذي يمكن لأمريكا قبوله؛ فكان لا بد لأمريكا من وقف هذا التمدد وتخريبه بالقوة المباشرة، بعد أن تجاهل الإيرانيون التحذيرات الأمريكية كثيرا؛ الأمر الذي سيدفع – من منظور أمريكي- إيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات الأمريكية وهي تعرف حجمها الطبيعي إزاء دولة عظمى، ويعيد الهيبة الرمزية لأمريكا إقليميا ودوليا من ناحية أخرى؛ وكل ذلك يمكن تسويقة لدى الناخب الأمريكي كنصر كبير للولايات المتحدة الأمريكية، وقطف ثماره من قبل الرئيس الأمريكي ومن خلفه الحزب الجمهوري في الانتخابات الوشيكة.
وإن جلوس إيران على طاولة المفاوضات الأمريكية بهذه الصيغة، سيعني إذعانها للرؤيا الأمريكية في المنطقة العربية؛ الأمر الذي سيقلص النفوذ الإيراني في المنطقة العربية أو ينهيه، وذلك مقابل ضمانات أمنية واقتصادية محفزة.
الاتجاه الثاني:
ويقوم على فرضية تكامل المصالح بين الطرفين على حساب المصالح العربية؛ ويتضمن هذا الاتجاه عدة فرضيات فرعية على النحو التالي:
1- أن الشعب العراقي بات يسير -مؤخرا- على طريق التحرر من التدخل الأمريكي والإيراني؛ فكان لا بد من تخريب هذا المسار؛ للحفاظ على عراق مقسّم وضعيف، فتم التخطيط لحدث صادم يدفع شيعة العراق للالتفاف مجددا حول الحشد الشعبي والتظلل بالنفوذ الإيراني، ويدفع السنة للتظلل بالنفوذ الأمريكي؛ ما يعزز انقسام الشعب العراقي وإدامة ضعف العراق لصالح أمريكا وإيران.
2- أن الثورة العراقية كانت الحدث الأهم في المنطقة العربية، حيث كان يُعَوَّل عليها لاستقلال العراق وتحرره، وانتشار هذه الروح الثورية لدى الشعوب العربية؛ ما يتهدد المصالح الأمريكية والإيرانية؛ فكان على الطرفين أن يفتعلا حدثا مدويا يوتّرالمنطقة، لدرجة يتم فيها إجهاض الثورة العراقية، وفق سيناريو مبرم مسبقا بين الطرفين.
3- أن الانقسام العراقي- العراقي من شأنه توفير بيئة مناسبة لإعادة سيناريو داعشي جديد؛ لضمان استمرارية مبررات وجود الحشد الشعبي من جانب، والقوات الأمريكية من جانب آخر.
4- أن معظم أركان النظام الإيراني الحاكم قد وافقوا -عبر مفاوضات سرية مع الأمريكان- على صيغة إقليمية تضمن مصالحهم الاستراتيجية، مقابل أنهاء نفوذهم في الدول العربية لصالح الأمريكان، باستثناء العراق التي سيستمر مشروع تقاسمها. وهذه الصيغة لن تكون مقبولة على الإطلاق من قبل سليماني؛ لأن هذا النفوذ يُعَدُّ مشروعه وإنجازه الإبداعي الشخصي لصالح الأمة الإيرانية، وإن التفريط به من منظوره يُعَدُّ خيانة للوطن من جانب، وقتلا سياسيا ومعنويا له من جانب آخر؛ لذا كان لا بد من إزاحته لإتمام الاتفاق.
إضافة إلى أن هذا الإنجاز رفع مكانة سليماني لدى الشعب الإيراني لدرجة استثنائية؛ بحيث صار يمتلك قوة كبيرة في التأثير على صنع القرار السياسي لدى الطبقة الحاكمة. وهذه المكانة باتت تهدد تركيبة هذه الطبقة في المستقبل القريب؛ إذ صار من المرجح ترشحه لانتخابات الرئاسة وفوزه بها، ومن ثَمَّ يستطيع بفضل قوته الاستثنائية أن يغير تركيبة النظام الإيراني جوهريا، لدرجة قد تطال المرشد الأعلى للثورة؛ لذا كان يجب التخلص منه.
كما كان من الممكن إذا ماصار رئيسا، وأصبح يتحكم بعملية صنع القرار؛ فإنه قد يطور نفوذ إيران الإقليمي لدرجة قد ينقل فيها (محور المقاومة: أيران والعراق وسوريا وحزب الله وحركة حماس والحوثيين ) من: مرحلة الدفاع، إلى: مرحلة الهجوم؛ وهذا من شأنه تهديد وجود الكيان الصهيوني المحتل؛ لذا كان على أمريكا أن تتخلص منه.
الجزء الثاني: ماذا بعد؟
إنطلاقا من وجود اتجاهين في تفسير الحدث، فإن ذلك يضعنا أمام تصورين لسيرورة هذا الحدث:
التصور الأول: استنادا لاتجاه تناقض المصالح:
1-يمكن لإيران -عقلانيا- أن تؤجل الرد العسكري مع التلويح الشديد به (تطبيقا لسياسة حافة الهاوية التي ابتدعها الأمريكان سابقا)؛ لغاية استثمار الحدث أمثل استثمار ممكن؛ لتحقيق كل أو بعض المكاسب الاستراتيجية التالية:
أ- رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
ب- التحلل من الاتفاق النووي.
ج- خروج القوات الأمريكية من العراق.
غير أن مسألة تأجيل الرد العسكري مع التهديد به يُعّدُّ تكتيكا قصير المدى تتآكل (شرعيته) يوما بعد يوم؛ وقد يفقد كفاءته وفعاليته وأهميته بمرور الزمن، لدرجة سيُعّدُّ فيها أي عمل عسكري ضد أمريكا لدى الرأي العام الدولي بمثابة عدوان أو عمل إرهابي؛ ما يعني خسارة فادحة أمام الرأي العام الدولي.
2-كما يمكن لها -شعبويا- أن ترد ردا عسكريا محدودا لا يترتب عليه رد أمريكي عنيف، وهكذا تكون قد فقدت كل الفرص البديلة تقريبا. أو ترد ردا عسكريا كبيرا ومؤثرا لدرجة تدفع الأمريكان للرد بقوة؛ وهذا سيناريو قد يؤدي إلى إضعاف إيران وانكماشها في حَدِّه ِالأدنى، وهزيمتِها وإذلالها في حَدِّهِ الأعلى، ولن يحدث ذلك دون أن تتضرر به معظم دول الإقليم لا سيما دول الخليج. ومن المستبعد أن تتدخل روسيا والصين بصورة جوهرية.
التصور الثاني: استنادا لاتجاه تكامل المصالح:
1-يمكن لإيران -عبر التفاوض- الحصول من أمريكا على كل أو بعض ما يلي:
أ- رفع العقوبات الاقتصادية.
ب- عودة أمريكا للاتفاق النووي الذي تتمسك به إيران بنسخته التي تم توقيعها في عهد الرئيس أوباما.
ج- إعادة تقاسم المصالح والنفوذ في العراق وفق منظور استراتيجي جديد.
2-غير أن تضحية النظام الإيراني بخيار الرد العسكري، سيتطلب مكاسب استراتيجية بديلة عاجلة تمكّن الطبقة الإيرانية الحاكمة من تسويقها على أنها نصر عظيم يساوي (عظمة) دماء سليماني؛ وإلا ستجد هذه الطبقة نفسها في مواجهة مع الشعب؛ ما قد يدفع لربيع إيراني قد يغيّر شروط اللعبة السياسية الداخلية، وهذا قد يكون هدفا أمريكيا مرسوما؛ وهذا مبحث جديد…
*دكتوراه التخطيط الاستراتيجي في العلوم السياسية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى