عقدة سيارات المسؤولين! / سلامة الدرعاوي

عقدة سيارات المسؤولين!
بين كل فترة وأخرى يخرج علينا المسؤولون في إطار ضبط النفقات بموضوع سياراتهم وكيفية استخدامها، لدرجة أن المواطن ملّ كثيرا من هذه الاسطوانة التي لا تنتهي، والتي لم نر لغاية الآن أي فوائد ملموسة لها على أرض الواقع بالنسبة للخزينة.
الآن يتحدثون عن آلية جديدة للسيارات الحكومية تحد من عمليات شرائها وتلجأ الى نظام التأجير، بحجة أنه يوفر على الخزينة شراء وتصليح المركبات، والحقيقة أنه لا احد يعلم الاسس المالية والجدوى الحقيقية لهذا التوجه، فالارقام غير معلومة على الاطلاق، وكل هذه الاجراءات في النهاية تسمح لمسؤولي الحكومة بقيادة افضل واحدث المركبات التي لا تتناسب ابدا مع الواقع الاقتصادي للمملكة التي تعاني خزينتها من أسوأ مديونية وعجز، اضافة الى الاعتماد المتزايد على المساعدات الخارجية.
قصة السيارات في الأردن غريبة عجيبة، فهي كلمة حق يراد بها باطل، شخصيا أشعر أنه كلما أراد مسؤول من العيار الثقيل استبدال سيارته بأخرى حديثة، تخرج علينا الحكومة بقصة إجراءاتجديدة لضبط النفقات في شراء المركبات.
تارة يمنحون المسؤول سيارة دفع رباعي، وتارة مرسيدس آخر موديل نوع 200، ومرة نوع “تيسلا” الامريكية باهظة الثمن، وأخرى حديثة مرسيدس كهرباء، وغيرها عشرات المبادرات التي التفت على ما يسمى باجراءات ضبط الانفاق في موضوع المركبات واستخدامها، لا ادري لماذا كل هذا الامر؟، أيعقل أن يبقى مسؤولو الدولة الاقتصادية مشغولين في السيارات التي يركبونها؟.
قبل أن تستبدل سيارات المسؤولين، على الحكومة ان تقيّم آدائهم بالشكل الصحيح، وأنا أجزم أنه لو كان هناك محاسبة حقيقية وشفافة لبعض المسؤولين لكانوا الآن وراء القضبان، لا أن يكافؤوا بسيارات مختلفة الانواع.
جائزة الملك عبد الله الثاني للتميز الاخيرة اظهرت نتائجها مدى التراجع الكبير الذي اصاب القطاع العام على مختلف الاصعدة، كانت أعلى نتائج المتأهلين لا تتجاوز ال40 بالمائة من النقاط المعتمدة والتي كانت لا تؤهلهم في السنوات السابقة للدخول بالجائزة، لدرجة انه جرى التفكير بالغاء هذه الجائزة لهذا العام، أي ان الذين حصلوا عليها هم افضل السيئين على الاطلاق.
هذا الامر يقودنا الى التوقف الكامل عن مظاهر البذخ الاداري الذي يهدر المال العام في اوجه غير رشيدة، ويساهم بازدياد حالة الاحتقان لدى الشارع من بعض التصرفات الحكومية اللامسؤولة.
الأصل أن يتم سحب جميع السيارات الحكومية من المسؤولين، فهم ليسوا بحاجة للسيارات، ومنحهم مخصصات مالية للتنقل تتناسب مع استخدامهم، فنحن نشاهد أن غالبية السيارات ذات النمرة الحمراء موجودة في كل بيوت العزاء والافراح والقرى والارياف دون حساب أو رقيب، في حين أن مسؤولي أغنى الدول في العالم يركبون الدراجة الهوائية للوصول الى اعمالهم.
بعض المسؤولين في الحكومة ليسوا بحاجة الى سيارة، بل بحاجة الى عقاب رادع للجم سلوكياتهم الانفاقية الابتزازية للدولة، وغالبية هؤلاء في الاصل معيّن على بند الواسطة والمحسوبية، ولو تم فحص واختبار بعضهم لما وصل الى مقعده باي شكل من الاشكال، وفوق كل هذا يشغلون الدولة ومؤسساتها بالمركبات التي يريدون ان يركبوها، على اعتبار ان اداءهم خارق ونوعي، وهو في الحقيقة في ادنى سلم الانتاجية، ولو أن مستواهم الاداري يرتفع بنوع السيارة وموديلها، لكان الاجدى بالحكومة تخصيص “رولز رويس” لكل واحد منهم!.
من المفترض أن تلتزم الحكومة بسياسات غير تقليدية لضبط الانفاق، وان تصرف النظر عن الحديث عن هذه المواضيع المستفزة للشارع الذي تدفع جيوبه ثمن الفساد الاداري، وان تقترب اكثر واكثر من المواطنين واحتياجاتهم وتلمس طلباتهم بدلا من التفكير براحة ذلك المسؤول!.
Salamah.darawi@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى