مسرحية الآن فهمتكم..تهجو الفساد

عمان –جمال عياد- «الآن فهمتكم» مسرحية أردنية استعراضية جديدة، تتأسس على مفهوم الكباريه السياسي، تعكس رسائلها المباشرة، مقدار التحولات اللافتة، في المناخات السياسية المحلية، لجهة ارتفاع حرية التعبير في الأعمال الفنية، التي تستنطق وتجسد الحراكات الشعبية، المحلية الناقدة، ليس تجاه الحكومات، وإنما سلطة الدولة نفسها، ووفق محمولات شخصية (أبو صقر) الرئيسية في العرض، وجسدها موسى حجازين.
المسرحية التي تعرض يوميا في عمّان، ضمن ما يسمى فعاليات المسرح اليومي الكوميدي، على مسرح الكونكورد، هي باكورة أعمال (فرقة المسرح السياسي)، وأنشأها الكوميدي موسى حجازين ومجموعة من رفاقه الفنانين، كنتاج ثقافي وفني طبيعي لثورات الربيع العربي، بحسب تصريحات حجازين نفسه.
وتذهب المسرحية، التي ألفها أحمد حسن الزعبي، في بنائها الرمزي في المشاهد الأخيرة، إلى استعادة مأساة نهاية الحاكم العربي، في فضاءات الثورات العربية، وفق قراءة ماركس لمقولة هيجل بان الأحداث الكبرى والشخصيات تتكرر في التاريخ، ، ولكن الأولى تجيء بشكل مأساة، وفي المرة الثانية بشكل مهزلة، حيال مصائر الآخرين.
ففي هذه المشاهد، تكتشف شخصية الأب أن جهودها الأبوية باستحواذ السلطة، تجاه أبنائها قد ضلت طريقها، فيستقبلوه بعبارات كتبت على جدران المسرح، دلالاتها انضجت هذا الأب «الحاني»، ولكن بعد فوات الآوان؛ (فاتك القطار)، و(إرحل)، للدرجة التي يوعد أبناءه بعدها، بأنه سوف يتغير، ويصدر قوانين جديدة، ويسرف في وعوده التي تشي بالتغير، بأن لا توريث في الحكم، ويقول مقولته الأخيرة قبل خلعه «الآن فهمتكم»، والذي جاءت عنوانا لهذا العمل الفني.
البناء الظاهري، لهذا الاستعراض، الذي أخرجه محمد الضمور، تأسست لغته المسرحية، ووفق نظام التواصل في إيصال المعنى، إلى المشاهد، عبر إثارة الأسئلة السياسية، المثيرة إلى أسئلة أخرى تعمق القلق في وعيه؛ فبعد لوحة الإستهلال التي تجسد في سياق تطور حكاية العرض، وصول أخ أبو صقر، من إحدى الدول الغربية إلى قريته في الريف، يبدأ انهمار الإسئلة، في حواريهما؛ كل شيء في البلد ُيباع، حتى القبور، ولماذا يحرم المواطن العطش من حوض الديسي المائي، وتتساءل شخصية أبو صقر مندهشة؛ ماذا تفعل الحكومات، لا أحد يحاسبها، فكيف خرج رجل الأعمال خالد شاهين من السجن إلى المطار، دون علم المسوؤلين، وأثارت أسئلة شغلت الرأي العام المحلي، كمسألة الباص السريع في عمان، وكيف أن شركة الفوسفات وهي ضمن المؤسسة الحكومية، كانت تخسر، ولكن بعد بيعها مباشرة صارت تربح، ولكن يستدرك بأن الحكومات هي التي تجلب مجلس النواب على مقاساتها؟ وليس العكس، وأن المسؤول الحكومي الذي يحوّل إلى مؤسسة مكافحة الفساد، يخرج بريئا تحت ذريعة «عدم مسؤولية»، كما وان الحكومات تستخدم مسألة الوحدة الوطنية، كسحاب البنطال؛ مرة ترفعه، وتارة تنزله على هوا مزاجها، وبخاصة عبر استغلال المباريات الرياضية لكلا فريقي (الوحدات والفيصلي)، وكل ذلك بحسب حوارات المسرحية.
إلا أن الجرأة المباشرة لهذا المسرحية، والتي يحسب لها، وبرأي أكثر من مشاهد، بأنها تفوقت على المعارضة السياسية، من حيث جرأة الأطروحات السياسية، عندما طرحت بأن (البلطجية) هم صناعة الأجهزة الأمنية، المرتبطة بالحكومة، في مشهد زيارة شخصية رئيس الوزراء لإحدى القرى، ومن جهة اخرى؛ بأن استدعاء الحقائب الوزارية جلها، ليس له علاقة بالمهنية والتخصص، وإنما لاعتبارات، مناطقية، وأمنية، وعشائرية، وبخاصة في المشهد الساخر لإعادة التشكيلة الوزارية للحكومة، في السياق الرمزي للمسرحية، والذي تم من خلاله اختيار الوزراء عبر دواليب عجلات اليانصيب. ولكن السخرية اللاذعة أيضا جاءت عندما حاولت شخصية أبو صقر إيجاد حل لمأزق الحكم العربي الرسمي؛ بجلب شعوب آخرى تُستبد بدلا من الحالية.
البناء العميق، يحيلنا وبعد تفكيك تلك الأبنية والمفاهيم السابقة، إلى مقدار التحولات الكبرى، التي أصابت المجتمعات العربية، بعد (ثورات الربيع)، للدرجة والتي غدت معها السخرية اللاذعة حتى من أخطاء الاجهزة الأمنية، امر يمكن حدوثه.
ولعبت الأغنية دورا أساسيا في إيصال المعنى العام للمسرحية، كالتوظيف لأغنية سيد مكاوي (الأرض بتتكلم عربي)، حيث يتم تحويرها في السياق الساخر للعرض (الأرض ويا خوفي بتتكلم عبري)، وأغنية كورال مستعادة على شريط كاسيت، لشعر أبي القاسم الشابي (إذا الشعب يوما أراد الحياة..) للتعبير عن توق الشعوب للحرية، إضافة لأغان وطنية لأم كلثوم مثل (ثوار ثوار ولآخر مدى).
الديكور، جاءت جمالياته جلها واقعية، وبخاصة في تبيان فضآت دار رئآسة الوزراء، الزاخرة بالأثاث الفخم، والتي تم فيها التعديل الوزاري المذكور سابقا، ومن جهة ثانية أسهمت جماليات الديكور والإكسسوار، في تبيان الفضاءات الريفية، التي جرت فيها مظاهرات ضد شخصية رئيس الوزراء في إحدى المناطق جنوب البلاد، ومن جهة ثالثة، في إظهار فضاءات بيت عائلة (أبو صقر).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى