وصفي التل: هل ما يزالُ على عـَهْدي بهِ وَطــَني!؟.."بماذا نجيبك يا شهيد..؟؟"

خاص بـ “خبرني”
كتب محمود كريشان:
اخالف العمر راجع سالف اعوامي..على رأي رائعة المطرب محمد عبده.. ليشتعل القلب شيبا عندما تصادف اليوم الاثنين الذكرى الاربعين لاغتيال شهيد الوطن الكبير وصفي التل، الذي غادرنا اخضرا يانعا “قبل الاوان” قبل نحو اربعين عاما وقد نالت منه رصاصات الشيراتون الموسادية الصدئة، ليعانق عطر الشهادة وقد ازهر دمه الارجوان شيحا ودحنونا فوق الارض الطيبة..لنستعيد ذاكرة الطفولة المجبولة بالحزن الكظيم ، في “حي المعانية”، ذلك المكان العماني الوادع ، الذي ينتشر اهله صبرا ووجعا ، على جانبي الطريق المؤدي، الى مطار ماركا القديم، لنتذكر لوعة الفراق في تلك الظهيرة الجنائزية الكئيبة، في نهاية شهر تشرين الثاني عام 1971، وقد التاعت القلوب التي ادماها الفراق، بمشهد الموكب المهيب، لجثمان الشهيد وصفي التل، محاطا بالزنود والجنود، الذين امتطوا سيارات الروفر العسكرية الحمراء المكشوفة، وقد تلثموا بشمغهم الحمراء ايضا، لاخفاء دموعهم على عزيز رحل، فيما ارتفع صراخ ونواح “المعانيات” لحظة مرور الموكب المسيج برايات الاردن وصريخهم يعلو: يا بيض حدا على وصفي.. قصن شعور الثنا كله!..
ظهيرة قاتمة.. طقسها حائر، سماء ملبدة بغيوم داكنة.. لكن بلا مطر.. رايات سوداء ارتفعت بؤسا وحدادا، فوق اسطح المنازل، اجهزة التلفزيون “الابيض والاسود” مطفأة في البيوت، لم تفتح الا على نشرة اخبار الساعة الثامنة مساء، عندما كان عندنا تلفزيون وطني!..مقاطع مصورة صامتة، لحظة وصول النعش الطاهر من القاهرة..الشريف الأمير زيد بن شاكر، المشير الركن حابس المجالي، مريود وسعيد التل، “محمد رسول” كيلاني واخرين..جميعهم “طاقين اللثمة” على ارض المطار ، يمسحون دموعهم باطراف كوفياتهم الحمر..و”طق اللثمة” بمفهوم الاردنيين، يأتي لاخفاء الدموع..لان بكاء الرجال عيب..لكن ما العمل اذا كان الفقيد بحجم “وصفي” ومن مثل “وصفي”!..
الحزن الكظيم يخيم على الوطن على امتداد الوجع والجغرافيا..اذاعة عمان التي اسسها “وصفي” على “تقوى الاردن”، بثت رائعة “فيروز” الغنائية “موطن المجد”، قلنا لهم لماذا؟..قالوا ان الشهيد كان يعشق هذه الرائعة الغنائية الوطنية..لان الاردن في عرفه “موطن المجد”!..
منذ تلك اللحظة ..اطلق الناس على مواليدهم اسم “وصفي” تأسيا بفارس الشهادة وعميدها، ومزهريات الورد في البيوت هنا تحيط بصورته في برواز القلب، وهو يثني شماغه على كتفه، بدون الوان.. “بالابيض والاسود”، ونظرته تشي بفروسية الموقف ورجولة فارس لن يتكرر!!..لنردد رائعة شاعر الدولة والوطن “حيدر محمود” التي جاء فيها:
قدْ عادَ من موتِهِ وصفي ليسألـَـني: هل ما يزالُ على عـَهْدي بهِ وَطــَني
ولمْ يَقلْ – إذ رأى دمعي يُغالبُني: ألا كفى! و أعيدوني الى كفني!
فباطنُ الأرض ِ للأحرار ِ أكرمُ منْ كل ِّ الذي فوقَ ظهر ِ الأرض ِ من عَفـَن ِ
ماذا أقولُ لوصفي؟ والدماءُ على كلتا يديّ تـُعرّيني، وتفضَحُني؟

أبو يحيى…غصة بالحلق ووجع في الآه يا وصفي..نملك الإجابة ولا نستطيع الكلام…

ف . ع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى