الخديعة الكبرى – 3 / د . هاشم غرايبة

الخديعة الكبرى – 3
لا زلنا في الجانب السياسي من المقارنة ، وسنتعرض الى معالجة هذا الجانب في الدين الإلهي ، لكن قبل ذلك يجب أن نوضح بعض المفاهيم التي جرى فيها خلط متعمد حينا ، وبسبب الجهل حينا آخر .
1 – عندما نقول أن الدين صالح لتطبيقه في كل عصر وزمان ، فإن ذلك عائد إلى أن معالجاته للحاجات الإنسانية متكاملة ، بمعنى أنه ينظم الأمور الثابتة التي لا تتغير مع الزمن بتعليمات محددة مثل العلاقات الإجتماعية كالزواج والطلاق والإرث وبر الوالدين.. الخ، ويترك تلك المتغيرة حسب تطور المفاهيم البشرية كالنظام السياسي والإقتصادي لاجتهاد الفقهاء ضمن ضوابط لا يخرجون عنها.
2 – إغفال التشريع القرآني لموضوع آلية اختيار الحاكم ولطبيعة نظام الحكم لم يكن سهوا ولا إقلالاً لأهميته بل لأن تحديد ذلك يلزم بالإتباع، من ذلك نفهم التطبيق النبوي عندما لم يوصِ بمن يخلفه ولا بأسلوب الإختيار .
3 – مبدأ الحاكمية لله لا يعني أن الحاكم يحكم بإسم الله كما يحلو للبعض تصويره مكابرة، بل إن الحاكم هو بشر محكوم بالشريعة مثله مثل المحكوم، يختلف عنه فقط في درجة المسؤولية، و طاعته ليست مطلقة بل مشروطة ” أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم{أبوبكر} “، والحاكم ليس فوق المساءلة “من رأى فيّ اعوجاجا فليقوّمه {عمر}”.
4 – مسمى الخليفة أو أمير المؤمنين ليس مسمىً شرعياً بل هو مصطلح من مفاهيم ذلك العصر، الخليفة أطلق على أبي بكر للدلالة على أنه خليفة رسول الله، أما من جاء بعده فقد أطلق عليهم مسمى ” أمير المؤمنين ” لأن مسميات ذلك العصر كانت : الإمبرطور والقيصر والملك والسلطان، وجميعها لا تتوافق مع روح الإسلام الذي يرفض العبودية لغير الله، ولا يقبل ملكية الحاكم للبلاد والعباد، بل هو مجرد أميريحكم بما أنزل الله ( الشريعة ).
5 – نيل الحكم بالوراثة ليست من مباديء الإسلام ولا التوصية بمن يحكم تاليا، وتطبيقها خلال تاريخ الدولة الإسلامية لا يمنحها الشرعية، بل هي دخيلة، ولا يمنح الدين أية أفضلية سياسية لمن يتصل بالنبي نسباً .
بعد اتفاقنا على المبادئء السالف ذكرها ، يمكننا تصور النظام السياسي المستند الى الدين الإلهي على الشكل التالي :
أولا: يجب اختيار النخبة الحكيمة ( أهل العقد والحل ) ممن يتصفون بالعدالة الجامعة لشروطها، والعلم الدنيوي والديني، ومعروفون بالرأي الراجح والحكمة. ومهامهم: اختيار الحاكم، ووضع التشريعات الدستورية المنبثقة من مبادئ الشريعة، وتقديم الرأي والمشورة للحاكم.
آلية إختيارهم: يتم اقتراح من يتمتعون بنلك المواصفات من بين أهل البلاد، ومن بينهم يجري انتخاب عدد يتناسب مع عدد السكان بالتصويت العام .
ثانيا : يضمن الدستور مبدأ المساواة بين المواطنين، وضمان الحريات الأساسية، واستقلال السلطات الثلاث: التنفيذية ( الإدارة الحكومية )، والرقابية ( مجلس النواب )، والقضائية.
ثالثا : يتم انتخاب مجلس للنواب بالإقتراع المباشر على مستوى البلاد كوحدة واحدة، ومهامه: مراقبة أداء الإدارة الحكومية، وإجازة الميزانيات، ووضع القوانين التفصيلية.
لقد أشرت باقتضاب الى الجوانب المخالفة لما يتبع حاليا، وليس ذلك عرضا شاملا لفكرة الدولة الحديثة المنبثقة عن الشريعة، لكن من أهم ميزاتها:
1 – أسلوب اختيار الحاكم يتم من قبل نخبة حكيمة وليس كما يحدث حاليا وفق مصالح طبقة المتنفذين .
2- يبقى الحاكم ملتزما بتطبيق العدالة التي تحققها التشريعات الإلهية فلا تشن حروب أطماع بذريعة المصالح .
3 – الدستور مرن لخضوعه لاجتهاد أهل العقد والحل المنبثق من فهمهم لفقه الضرورة ومقاصد الشريعة .
وفي المقالة القادمة سنستكمل الجانب السياسي إن شاء الله .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى