هكذا تخيّل هردبشت / يوسف غيشان

هكذا تخيّل هردبشت
تخيلوا الوطن على شكل باص عمومي للركاب ، وتخيلوا الحكومة سائقا مرخصا للباص الطويل .
الباص من الأنواع الحديثة نسبيا ، مثل تلك التي تتنقل بين أحياء عمان بمقاعد قليلة على الأطراف وساحة وسطية يقف فيها الركاب وهم يمسكون بقطع جلدية مثبتة في سقف الباص .. حمولة الباص الشرعية تعتمد على عدد العلاّقات الجلدية التي تحمي الركاب من التأرجح.
طبعا – كما في الباص الحقيقي – لا تكفي العلاّقات الجلدية لجميع الراكبين ، فتجد الكثير من المتأرجحين بلا دعم ، أو الماسكين بالمقاعد الجانبية ، أو بأقرب الناس إليهم .. منتظرين أن ينزل أحد الركاب (الماسكين) ليتنافسوا جميعاً على الحلول محله .
طبعا، تحصل غالباً مشادات كلامية بين الماسكين واللي مش ماسكين ، تصل أحياناً إلى الشتائم الثقيلة أو للشجار ، وغالباً ما يتم إخماد هذه المناوشات قبل أن تتطور، لكن ذلك يعتمد على نمط شخصية سائق الباص ( الحكومة ) .
السائق النزق يجعل الناس يتصادمون ويتضاربون ، وعلى سبيل النكاية يدحش في الباص أعداداً إضافية من الواقفين على الطرقات .. وعندما تصل الميمعة إلى مستويات خطيرة يشجع الأطراف على إنهاء النزاع بالركلات الترجيحية .. أما السائق الهاديء فيعمل العكس تماماً.
في حالات نادرة يقوم أحد الجالسين على المقاعد الجلدية ، فيجلس مكانه أقرب شخص إليه على الفور، لكن غالبا ما يموت الراكب على مقعده الجلدي ولا يتزحزح إلا إذا ألقى الشوفير جثته من الشباك .
المقاعد الجلدية محدودة العدد – كما المراكز الحكومية – لذلك ينظر الركاب من ذوي الجلدات إلى ركاب المقاعد بحسد ، بينما ينظر أولئك الذين بلا جلدة إلى الجميع بحسد .. لكن كل واحد يحتفظ بموقعه ولا يتركه إلا إذا واتته فرصة أفضل .
الكل يعرف أن حياته تتمدّد على المسافة الفاصلة بين الركوب والوصول ، وكل واحد من الركاب يتمنى أن يُحظى بشوفير(حكومة) أكثر هدوءاً ، حتى يموت بهدوء وراحة بال .
الباص يمد لسانه ساخراً من جميع قوانين الفيزياء والكيمياء والهندسة الإقليدية ، إذ أنه دائم الحركة ، لكن بدون وقود ، والغريب أنّ الكثير من الركاب لا يدفعون الأجرة للكونترول بل يرمونها من الشباك .
المضحك في السالفة ، أنّ عبارة كبيرة بكلمات بارزة مكتوبة على مؤخرة الباص تقول: كيف ترى قيادتي ؟!!!!
من كتابي (هكذا تكلم هردبشت)الصادر عام2011

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى