يصنعون لنا الخوف !!

يصنعون لنا الخوف !!
د. محمد يوسف المومني

لا أريد الإشارة لأحد , أو النيل من احد في مقالي هذا , كما أني لا ارغب استفزاز أيا كان باستخدام كلمة ( الخوف ) .. إلا أنني اليوم وجدت ومن خلال قراءتي المتواضعة للواقع العام إن حالة من التربص والانتظار تسود الجميع , المواطن والسياسيين والحكومة والشارع الأردني بكل تفاصيله, وتلمست شعورا عاما هو اقرب للخوف من المجهول ساعة الانتظار, انتظار نتيجة ما, لقرار ما, ربما سيعمل على قلب معادلات كثيرة وتغيير حسابات وتوقعات لم تكن بالحسبان لدى صانعي القرار السياسي الأردني , الرحلات المكوكية لمسئولين أردنيين لدول عربية وأجنبية, وما يحدث وراءها من حوارات مبهمة , وبرغم الإعلان من خلال وسائل الإعلام عن فحوى تلك اللقاءات إلا أنها تبقى مبهمة ومجهولة الهوية من حيث المصدر الأساسي الذي يقف وراء كل هذا, الأردنيون بطبيعة تكوينهم ليسوا جميعا على خبرة عميقة في مجال صناعة القرار.
وهذا ليس انتقاص من ثقافتهم السياسية, إنما هو أمر طبيعي فبرغم الانفتاح والتعددية والحرية التي هي اقرب إلى الشكلية بالرأي , إلا أن ذلك كله لم يعزز الثقة الحقيقية بين المواطن والمسئول الأمر الذي جعل حالة الخوف لدى الأردنيين من أمور ربما ستحدث وهي في ظروف كثيرة لاتبشر بخير .. ولعلي استثني المراقبين منهم للحدث السياسي الأردني الذي يتسم غالبا بعنصر المفاجأة في تغيير المواقف التي تحكمها في ظرف ما المصلحة العامة أو الخاصة , وهذا يتوقف بالطبع على صاحب القرار بشخصه , وإلا فان انتقال طاولات الحوار شمالا و جنوبا, شرقا وغربا هو الأكثر إثارة للقلق و لربما تعدى حالة القلق إلى الخوف إذا ما انتقلت طاولة الحوار هذه إلى ( خارج الحدود ) حيث مطابخ الخوف من قرار ( مستورد ) لا يعرف الأردني إلى أين سينتهي به الحال بعده , والأمر الذي يعزز حالة القلق هو استمرار الانتقال من مكان لأخر سعيا وراء القرار أو الخيار الأكثر ضررا بالحياة الأردنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. ولقد شهدنا من هذا الكثير, فالحدود قريبة والأشقاء الذين يحيطون بنا تختلف نواياهم ومقاصدهم بحدود ما يسمح به الزائرون أو العابرون إليها, رغبة منهم في طلب المشورة أو النصيحة أو إجراء تعديل على هيكلية الدولة الأردنية أو تغيير تركيبته السياسية , الأمر الذي جعل أبواب المطابخ العربية والأجنبية مفتوحة أمامهم بشهية واضحة حيث لا يكفي صناع القرار الأردني في مطابخنا ( المحلية ) , فالقرار العربي أو الغربي لا يقل ضررا من غيره لأنه أصلا يعتمد مصلحة ذاك البلد , ولأننا نحن الساعين إليه وليس هو من أرسل في طلبنا فأنه بالنتيجة سيفرض رؤيته السياسية على بعض مصادر القرار الأردني , ورغم الكثير مما كشفته الأيام لنا إلا أن الكثير من رجالنا السياسيين قد عمدوا إلى تضخيم قضايا لم تكن بحق تستحق ذلك التضخيم , فما أن حدثت قضية داخلية حتى سارع الرجل السياسي الأردني إلى حمل أوراقه وملفاته والذهاب بها راكضا إلى اقرب شقيق أو صديق له من الحدود , وكأن ( الحلول المحلية ) لدينا قد نفذت وبات رجال السياسة عندنا عاجزون عن حل أللعز فيما بينهم , فليس أمامهم سوى الأشقاء أو الأصدقاء الذين ما أحبوهم يوما من الأيام إلا لحاجة في نفس يعقوب, ويبقى المواطن الأردني ينتظر رحمة ( مستوردة ) تعمل وكأنها حلا سحريا على تفتيت أزماتنا وخيباتنا المتوارثة , وإمعانا في تعطيل أحلامنا المؤجلة .. وقد وصفت عنواني ب ( صناعة الخوف ) لان الخوف مازال رفيقا لنا في حلنا وترحالنا .. صناعة القرار الأردني صار هو الخوف بعينه .. هو الخوف ذاته الذي مازال يطارد كل أردني من أن الذي يحدث اليوم مازال يثير حالة الترقب قياسا للعقدين الأخيرين اللذان مرا علينا وما تخللهما من الخيبات والأزمات . . ولا أخفيكم سرا أيها السياسيون , ولا أريد أن اهمس في أذانكم بل اصرخ بأعلى صوتي وأقول لكم نعم إننا خائفون منكم وجلون من قراراتكم ووعودكم وانجازاتكم الوهمية التي مازادتنا إلا فقرا وجعلتنا نفكر مرات عدة بالهجرة إلى دول المنفى التي أكلت منا أحلى سنين عمرنا, الأردني الذي مازال يهدده الإحباط والخيبة في كل لحظة , المنفى الذي دفن فيه أغلى شعراءنا وأدباءنا وعلماءنا ورجالنا وعقولنا الأردنية , بقيت كلها خارج الحدود وماتت خارج الحدود ودفنت في مقابر الغرباء ( الجماعية ) دون أن يحضر عزيزا عليهم من ذويهم ليلقي على قبورهم باقة للورد أو يذرف عليهم دمعة حزن أو يقرأ لهم الفاتحة , وبقيت شواهد قبورهم بلا أسماء إلا كونهم أردنيون غادروا بصمت خلسة وخوفا ودفنوا بصمت تاركين وراءهم بصماتهم التي مازالت محفورة على بعد ألاف الأميال ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى