أيها المعلمون ما جديدكم؟ / سعيد ذياب سليم

أيها المعلمون ما جديدكم؟
سعيد ذياب سليم

بعد أيام قليلة سنعيد ضبط ساعاتنا البيولوجية، لننهض مبكرين مع الطيور وندى الصباح و الشمس، لتزدحم الطرق بالطلبة و المعلمين و حافلات المدارس، المعلم مسرع باتجاه مدرسته مقبل على جهاز البصمة بلهفة العاشق و خشوع العابد ، والطالب حامل كتبه و أقلامه و بعض الأسى و الكتابات المتناثرة على زيه كالوشم ، لنبدأ سنة دراسية جديدة ، سيعود ضجيج الطلبة إلى صفوف المدرسة و ساحاتها، سنقف طلبة و معلمين في الساحة الرئيسية نحيّ العلم و نهتف للوطن ، ثم يتجه كل منّا إلى قاعة الدرس يجلس الطلبة في بيئة صفية تجاوزتها السنوات على مقاعد مغبرة مستهلكة يهتز بعضها كلما تحرك الطالب صانعة أصواتا إيقاعية و يقف المعلم أمام طلبته حائرا حوله ما تناثر من غبار ، فماذا يقول؟
أراني في حصتي الأولى أقف ساكنا وقورا مثل أحد شيوخ الطريقة ناظرا في العيون التي تسبح في الصفاء و الأمل، تراودني أفكار عدة ، هل أتحدث عن جنون الصيف و قطافه، سهراته و أوقاته السعيدة ، عذاباته و أحزانه، أم أبدأ الحديث عن موضوعات مادتي التعليمية مذكّرا إياهم بالأعداد الحقيقية أولا و تعريف الدالة وتمثيلها في المستوى البياني ، ثم لأنطلق بجدية تُشعر الطالب بالملل و تهبط به سريعا إلى مستوى الإحباط ، فيشعر أنه يسير في صحراء تغوص قدماه في رمالها المتحركة ، و يعيش لحظات الكابوس الذي ينسيه رقة الصيف و سعته وفضاءه.
سمعتني أسأل بعد التحية الصباحية: ماذا جئتم تحملون من ذكريات الصيف و شقاوته؟ وكيف انقضى وقت الإجازة الصيفية ؟ لأسمع بعض الإجابات التقليدية … العمل و الفراغ اللذيذ والدراسة ! دراسة في الصيف ؟ لماذا نلوّن حياتنا بالشقاء ؟ و ماذا سنصنع في هذا العام الدراسي الطويل غير الدراسة ؟ لماذا لا نتحرر من القيود و نستغل مواسم الفرح ؟
أحرّك دفة النقاش يمنة و يسرى فأسأل :هل لاحظتم ظهور كوكبة جديدة من النجوم في السماء ؟ أولئك هم شهداء الوطن و قديسيه الذين ارتحلوا يرقبوننا من عل و نحن نسير في دروب الوطن الآمن. لنقف في وجه الخوف ونعرّيه.
ماذا تنتظرون من المدرسة ؟ المعرفة ! في زمن توفر المعلومات تحت نقرات أصابعنا أم كيفية التفاعل مع المعلومة وصياغتها والإفادة منها في الواقع، ونحن نعيش في عالم متحرك متغير باستمرار يُصدّر لنا الكثير من المواقف و الازمات الشخصية والاجتماعية و التي يجب التصدي لها من خلال التفكير العلمي الناقد و مهارات الاتصال و التفاعل الاجتماعي البناء و حلها.
ما هي الأدوات و المصادر الثقافية التي تستخدمونها؟ والتي تشكّل وجهات النظر ، هل نقتصر على شبكات الاتصال بالأنترنت أم أن الكتاب التقليدي ما زال له دور ملحوظ؟ وما ذا عن الوسائط الفنية والإعلامية و قد أصبح في بيوت كثيرة ما يشبه شاشة السينما و تطورت وسائل التصوير الرقمي و المونتاج و معالجة الصور و قدمت لنا معامل السينما أفلاما وثائقية و علمية و أفلاما للإثارة و “الأكشن” تدغدغ المشاعر و تحبس الأنفاس-والسينما فن شامل يحتوي الكلمة و الموسيقى و اللوحة الفنية- حتى أن عددا من المعلمين حول العالم خرج إلى طلابه من خلال فيديوهات “youtube” و برمجيات محوسبة تحاكي السبورة الصفية و أعمالها.
ماذا نقول في رحيل “فارس الصحراء” و هل سيسمح لنا المنهاج المدرسي أن نتحدث بحرية عن موضوعات مثل الدراما التلفزيونية وقد تناولت قضايا تاريخية ومعاصرة بين المدينة و البادية العربية تمس تاريخنا وأفكارنا و عواطفنا، أم نستسلم لهذا الكم الهائل من المسلسلات التي تصب في إقليم المتوسط بكل اللغات وقد دخلت بيوتنا و نتركها دون نقد ؟
و “شيخ البحر” الذي ارتحل تاركا الشراع و العاصفة و قد قرأته الأجيال خلال الخمسين سنة الماضية و لوّن الأدب العربي بلون البحر الذي ألقى فيه مرساته و سافرت معه أحلامنا ، ما هو أثر الرواية العربية و العالمية في الثقافة و التعليم وهل لها أثر يذكر؟ وماذا عن الألوان الأخرى للأدب كالشعر و القصة و المقالة؟
هل أتحدث عن المعلم تلك الشخصية الواقعية أم الخيالية ؟ أم أن معلمنا يحتاج إلى صياغة جديدة و قد خرجت و سائل التأثير في التربية و التعليم عن نطاق تخصصه التقليدي فأصبحت طرقه عتيقة بالية و شخصيته مملة باهتة ومنهاجه ناقص ؟ أيها المعلمون … ما جديدكم؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى