يا موت … خذني إلى غزة معك

يا موت … خذني إلى غزة معك
الدكتور ظاهر محمد الزواهرة

مهداة إلى صلاح جرار
• أيها البطل المعلق في (جرافة) حقدهم، هم ما أهانوك وإنما أهانوا تاريخ ذلهم وعارهم، بل رفعوك، وقد رفعك الله دونهم، فإلى جنات النعيم.

طال المساء ، والليل العميق بلا انتهاء، أين النهار يا ولدي؟ وإلى متى تمتد ساحات البلاء؟ أين السيوفُ الماضيات ؟ أين الخيول الصاهلات في يوم الوغى ؟ أين القلوبُ القاسياتُ على العدى ؟ ها قد سألتُ وما أريدُ يا غزة الجواب ؟!
يا هند : كيف يمكن أن نعيش، والموت يغدو في مآذنها؟ هي الآلامُ تجمعنا على حبِّ الصلاة، ومتى نصلي قبلَ شدة أو رخاء ؟! ليست لهم، وإن طال ليلُ غربتنا الثقيل؟
أيا صلاح قلْ لكل اليائسين سننتصر! قلْ إنّي أحبُّ غزةَ والصلاة ! لا ضير فيما نرى من خبث أفعال اليهود، يا بحر غزة لا تخفْ! يا بحر غزة أرجوك أن لا ترتجف! كنْ على الأعداءِ طوفان نوح، كنْ ريح صرصر وأيامَ الحسوم، ففي فمي دمٌ، وفي عيوني دمٌ، وفي فؤادي دمٌ، ثكلتك أمكَ يا معاذ: ما ذلّنا في أرضنا إلا تعطيل الجهاد!
لا ضير يا صلاح، كم لبث اليهودُ في فلسطين الحبيبة من سنين ؟ … ما أكملوا مئةً ؟! لا ضير، ترك الصغيرُ – فيما يسمى – أرضَ أندلسٍ بعدَ مئات السنين! وصرنا نُضرب من هناك، وأصبحت غرناطة مكانَ نفي الأوفياء! إذنْ ضاع اليهود، وإنْ لبثوا في منازلِ أهلنا هناك، وإنْ شربوا ماءَ ديرتنا هناك، وإنْ أكلوا زيتونةً في كتاب الله ليست لليهود، وإنْ طال السواد؛ لا بد من شمسٍ تبدد ليل ظلمتنا، لا بد من قمحٍ يخرج من تحت الصخرة الصماء، لنا فلسطين يا صلاح ما عبث اليهود ، لنا مياه البحر في غزة ، ولنا الجباهُ الشامخاتُ فيها والسهول، ولنا كرامةُ أمةٍ بقيت هناك ؟!
يا هند : إنّي أقدّسُ حجارةً سوداء أحرقها اليهود، إنّي أقدّسُ ترابَـها وقد شرب الدماء، وناديتُ فيها طفلةً وبأي ذنبٍ تموت، وإذا الصغارُ تكلّموا بأي ذنبٍ تألموا، وإذا النساء الفارسات في صرخاتها: من يخاف؟ من يخاف؟ سيُذبح كآلاف الخراف! ها نحن حقاً قد صعدنا للهبوط؟ أوقد مكثنا بين آلاف الحفر ؟!
آه يا بلدي ، ومن الخليج إلى الخليج هي البلد، جاءت إلينا الطائراتُ وفي كبد، وحبيبتي نادت علينا في صفد: أماه ، متنا وما معنا أحد!
آه يا هند : اللهُ معنا والقنابلُ داميات، سقطتْ قنابُـلهم دُمى لأطفالِ الحجارة والحديد، هم الأبطال والدنيا قعود، والنصرُ لن يأتي من أيدي اليهود، داسوا جبين الحرّ، صرنا كالعبيد، النصرُ لن يأتي إلى يوم الوعيد، هذا كلام اليائسين من فجرٍ جديد، والشمس تشرقُ كلّ يوم، ما مرَّ يومٌ دونَ موتٍ أو دمار؟!
ماذا نقدّم لمن في النار يحترقون؟ ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، ثمّ ولينا مدبرين! أيكفي الدعاءُ لهم في صلاة الفجر والليل العميق؟ هل يكفي الدعاءُ لهم في يوم جمعتنا الوحيد؟
يا هند: قولي لهم: والله إنا نحبهم، ونحن حجارتهم إذا احترقت حجارتُهم، ونحن دماؤهم إذا نزفت دماؤهم، ومنذ هذا اليوم كعبتنا إليهم في الصلاة، وغزة قبلتنا الجديدة في الصلاة، وهذا العام الحج إلى غزة، عرفاتنا جباليا، وخان يونس للمبيت، ورمي الجمار عليهم في تل الربيع.
يا نار كوني برداً وسلامًا على أطفال غزة والنساء، كوني سلاماً على الشيوخ الطاعنين في العمر المديد، وعلى الشباب في زهراتهم، وعلى الرجال.
ياهند: البحر بيننا وبينهم، واليوم حال العدو بيننا وبينهم، وغزة العزة في حصار وحصار، وغزة الملتقى سجنٌ كبير، ما همنا والله ضرب الحاقدين من اليهود! ياهند : سجّـاني أخـي وجلادي الحبيب، صبّوا على رفح الرصاص المقوّى والجليد،” مليون طعنة عدو ولا يطعن أخو “.
لا تصعدوا فالبحرُ أمامكم، فيه البوارجُ راسياتٌ راجمات، والبّر دونكم، فيه آلافُ القنابل والعتاد، وغُطيت سماؤكم بطائراتٍ لا تنام، ماذا نريد منهم غير أن يستشهدوا؟ وعلى غزة السلام!
فمن أين النفاذ؟ جففوا دجلة والفرا ، والنيل في عذوبته انقطع، لم تبقَ لي سيناء، لم يبقَ لي ولد ؟!
ياهند: قطعوا حاقدين الكهرباء، والماءُ، أين الماء؟ شربته الخنازير والدفلى معا، فليمنعوا حتى الهواء، وليشربوا نخبَ دمائنا هناك، وهناك قبورُهم إن وجدوا القابرين لهم، لا، لن يجدوا من أحد، يا بحر غزة كنْ سمّاً على الأعداء، يا بحر غزة خذهم إلى أعماقِ المحيط، كنْ ناراً لا تبقي ولا تذر!
يا هند: أرى عيونك دامعات، فما تجدي الدموع! قد أشعلوا ليل مبكانا الحريق، بكت الشموع في ميلاد سيدنا المسيح، بكت الشموع، لا تبكي فبعد اليوم لن أبكي، ما أريد لخديك الدمو ، إنّي أرى في عينيك قطرات الأسى، والويل لليهود إن أبكوا جميلةً مثل ، وأنا أريد أن أبكي معك، وأنا صاحبُ قلبٍ رهيفٍ، تبكيه أبسط الأشياء.
• الجزء الثاني لاحقا.
الدكتور: ظاهر محمد الزواهرة ، الجامعة الهاشمية – الزرقاء، 25/2/2020م.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى