ويحكم كلكم يتغنى بالولاء والانتماء فمن سرق الوطن؟!.

بقلم: الكاتب جهاد أحمد مساعده

كل دولة تتغنى بإنجازاتها وتتباهى بعلماءها في شتى المجالات، ولكننا نستشهد في هذا المقال بدولة كاليابان خرجت مدمرة من دمار ذري لم يشهده العالم من قبل، وبين دولة كالأردن ما زلنا نحتفل بالمئوية الأولى لتأسيسها، ونتغنى بإنجازات عظيمة.

الجميع يعلم أن دولة اليابان تفتقر إلى الموارد الطبيعية، إلا أنها خلال الخمسين عامًا غزت العالم في جميع المنتجات، وأصبحت صناعتها من أفضل الصناعات في العالم.

مقالات ذات صلة

ولكن كيف حققت اليابان تلك الإنجازات؟

كانت تعيش اليابان على صيد السمك وهو المورد الرئيس لها، ولكنها خلال الخمسين عاما بدأت بتصدير السيارات والحواسيب والتكنولوجيا والملابس علمًا أنها تفتقر إلى المواد الخام التي تحتاجها تلك الصناعات.

إذن كيف حققت اليابان هذا الإنجاز؟

حققته لأنها تقدس العمل، وتراه لذة ومتعة وفرحا وجمالا، فالعمل لديهم يعني نجاح أمة.

فالعمل لدى اليابانين إحدى الألغاز العقلية، فمن وراء الانتاج يوجد عقلية منفتحة منذ الولادة، وروح الجماعة التي تحقق العشق للعمل والنجاح للجميع، والعمل لديهم ليس تكليف بل هو ممزوج بالحب والمتعة، فأصبح العامل في المؤسسة يشعر أن العمل له حياة، فالأنا والعزلة والانفصال بالنسبة إليهم أكبر أعداء الإنسانية.

إذن لماذا نتختلف نحن عن اليابانين وماذا ينقصنا عنهم؟

نختلف عنهم بأن لدينا المهارة في تهميش الكفاءات في العمل وبالنهاية التطفيش، ولدينا البراعة في الانشغال باتهام الآخرين ومحاسبتهم، وتوجيه النقد اللاذع لهم. والأصح  قبل توجيه النقد للآخرين على كل واحد توجيه الاتهام لنفسه ونقدها ومحاسبتها.

إن ما نشهده كل يوم في كثير من قطاعات العمل إنما هو مسلسل للمعاناة، وانقسامات وخلافات لا تمت للعمل بصلة، بل هو صراع من أجل البقاء في المنصب والحفاظ على المكتسبات الشخصية من وجاهة وسلطة وربما اختلاس، وكأن الفكر الذي يحمله ذلك المسؤول إنما هو وحي يوحى غير قابل للنقاش، وأن فكره هو الصحيح وفكر الآخرين خطأ.

يبهرنا ذلك المسؤول حينما يتحدث عن مشكلات العمل، والإنتاج والإنجاز ، والقيم والأخلاقيات، فتشعر أنك أمام عالم فذ، وناقد وفقيه قادر على حل تلك المشكلات.

ولكن أين السر  بأن تلك المشكلات ما زالت موجودة، وأين الخلل في ذلك؟

الخلل أن المسؤول يتهم الآخرين وينقدهم ويعظهم، ولكن الأولى أن يتهم نفسه وينقدها ويعظها، إذن فكلمة السر ابدأ بنفسك أولًا.

يذكرنا هذا بقصة مالك بن دينار يقول ملخصها: جلس مالك في المسجد وحوله المئات فوعظهم عن السرقة وظل يظهر لهم قبحها، إلى أن بكى الحاضرون بكاءً شديدًا، وكان بين يدي مالك مصحف تعب في كتابته وأجتهد في تجليده، ثم خرج لأمر ما لقضاء حاجة من الحوائج، تاركًا مصحفه الثمين أمام عيون  الحاضرين، وعندما عاد إلى مجلسه لم يجد مصحفه، فلم يظهر اهتمامًا وسيطر على مشاعره وعاد ليستكمل وعظه عن قبح السرقة، فعاد الحاضرون إلى البكاء، هنا نظر إليهم وقال كلمته الشهيرة التي صارت مثلًا :” ويحكم كلكم يبكى فمن سرق المصحف؟”.

 كلمة قاسية يجب توجيهها إلى الذين أغرقوا الوطن بالمديونية ثم يتغنون بالولاء والإنتماء، وإلى الذين حاولوا الانقلاب على القيادة منذ فترة الخمسينات وما زالت أفراخهم تحاول بوسائل وأساليب مختلفة يتسترون بحب الوطن.

ويحكم كلكم يتغنى بالولاء والانتماء فمن سرق الوطن؟”.

الذين يمدحون وعي أبناء الوطن ثم يضيقون عليهم سبل الحياة الكريمة باسم الحفاظ على حياتهم؟

ويحكم كلكم يتغنى بالحرص على المواطن فمن سرق الوطن؟”.

وإلى الذين يأتون بأصدقائهم وشللهم لتولي المناصب على حساب الكفاءات من أبناء الوطن، يورثونها لجيل بعد جيل بحجة أنهم عباقرة لا مثيل لهم، وكأن هذا الوطن أصبح عقيمًا لا ينجب إلا أمثالهم.

ويحكم كلكم يتغنى بالولاء والانتماء فمن سرق الوطن؟”.

نبشركم بأنه سيأتي عليكم يومًا يقام علكيم الحد باسم تدمير الوطن… وينتصر الوطن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى