وكنت امي .. معجزة الطيبة ..

وكنت #امي ..
#معجزة #الطيبة ..

محمد طمليه
وكنت امي .. معجزة الطيبة معجزة الدمعة السريعة السخية .. معجزة الصوت الدافئ الحزين .. الامهات الطيبات يتوارين بسرعة .. بدأن بالتلاشي تاركات حسرة ذابحة .. الامهات الطيبات .. المباركات .. قليلات الحيلة الصامتات المبتسمات … الباحثات عن الاسى بقلب ملئ بالاسى … لا يمكن اجتراح المعجزة مرتين … ولا يمكن اجتراحك مرتين يا اطيب الامهات … سأحاول العيش بلا صوتك … سأحاول الموت معك كي لا تشعري بالوحشة … سلام عليك سلام الشاي والخبز … سلام علبة الدواء سلام الخبيزة والبابونج … سلام الشقيقات … سلام الجارات … سلام الاحفاد والحاكورة الصغيرة … سلام الشتاء والبرد الذي روضتيه لنا ونام قربنا قط أليف …
سلام … يا معجزة الطيبة …
يا معجزتي في الحياة .
** قرية ( ابو ترابة ) في اعالي ( الموجب ) …
يقال ان ابي خرج فجرا الى الشارع الرئيسي المؤدي الى (الكرك ) لإحضار سيارة تأخذ امي الى المستشفى من اجل ولادة ميسرة , ولكن ابي لم يعد لغاية الان , فتولت عجوز بدوية سحبي من الرحم كيفما اتفق …

  • ( ابو ترابة ) …
    في هذه القرية هواء طلق يتوفر ضمن دفقات قوية على مدار الساعة , وكلاب تنبح في السراء والضراء , ومطاعم وجبات سريعة كنا لا نأكل فيها باعتبار ان للجوع تخمة , ومدرسة نذهب اليها كل صباح للاحتماء بجهل اقل وطأة …
  • ( ابو ترابة ) ..
    حيث الهواء نشيد دون طائل , وحيث تضع النسور الصقور فراخها , وحيث الدهشة في اعين الاطفال كلما مرت سيارة بدائية على الطريق المؤدي الى ( الكرك ) . وحيث القصص الكاذبة التي يرويها الفقراء عن ضباع قتلها شخص اسطوري لم يعش في القرية مطلقا , وحيث الغرفة الرديئة التي اصر وزير التربية على انها مدرسة : والادهى من ذلك انه اصر على اننا تلاميذ …
    • ( ابو ترابة )
    اتذكر ان الناس تظاهروا احتجاجا على افتتاح فرع ل( السيفوي ) في القرية . وامتنعوا عن الذهاب الى مدينة الملاهي التي اقيمت في الارض الخلاء القريبة . ولم تجتذبهم صالة ( الاتاري ) التي صارت احدى المغارات مقرا لها . وتعففوا عندما انشأ احد المستثمرين منتجعا سياحيا قرب المزبلة .
    اتذكر الزوابع التي تلهو مع الاطفال في الصحراء . العنزة الرؤوم التي ماتت من فرط الغبار والوهج . ( علب السردين ) التي القتها العائلة بعد الغداء يوم الجمعة . ( كرتونة البيض ) التي عاد بها العسكري يوم الراتب . الشمس الحامية التي تكوينا امام مكتب نائب الدائرة من اجل الحصول على دعم لوظيفة تافهة . الموتى الذين قبرناهم رغما عنهم . المرضى امام المستشفى الحكومي الذي يرقد فيه اصحاء مدعومون . الحكومة التي تجتمع في ( بيت شعر ) منصوب في العراء .
    اتذكر الخبز الساخن في الصباح , دجاجتنا الخائنة : تأكل قمحنا , وتبيض عند الجيران , المدرسة البعيدة التي ذهبنا اليها مشيا على الاقدام الحافية : رائحة الاغنام اذ تمر من تحت النافذة . الافعى التي اطلت من ثقب في الجدار , فعالجها احد الجيران برصاصة من بندقية عتيقة . بيوت الطين … امتحان الحساب الذي رسبنا فيه جميعا , وكان عزاؤنا اننا ( الاقل حظا ) مع ان وزير التربية آنذاك لم يكن حالما وشفافا الى حد ابتكار مثل هذا التعبير . ( بعر الماعز ) تحت الاشجار . الرحلة المدرسية التي ضاع فيها احد التلاميذ في ماء ( الهيدان ) .
    ** ها انذا اتذكر …
    قرية ( مليح ) التي انتقلنا اليها فيما بعد رغبة منا في الانتماء لفقر مختلف , وفي هذه القرية تعرفت الى ( سعود قبيلات ) الذي كان يكبرني برغيف : ( مؤنس الرزاز ) كان ميتا انذاك , و ( سالم النحاس ) كان يقرع جرس الكنيسة لكي يلتحق الاتقياء ب ., و ( يعقوب زيادين ) يقرأ ( البيان الشيوعي ) وقت ( السحور ) , و ( طاهر العدوان ) طاهرا كالمعتاد , وليس عدوانيا .
    ولكن , لماذا اكتب عن القرية بعد اكثر من اربعين عاما عن النزوح منها ؟ الاغلب انني تذكرت , مع موعد اقتراب عيد ميلادي , الرعيل الاول من النبض في قلبي , وتذكرت اول ابتسامة لاذت بشفتي فرارا من العبوس القروي المهيب , وتذكرت اول حجر اصابني في رأسي بعد رمية من ولد شقي مثلي : الفقراء اشد فتكا بالفقراء ..

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى