لطميات وبكائيات .. / فراس محمد الخطيب

لطميات وبكائيات ..
1 – اثناء تكرار توقف سيارتي على احدى الاشارات الضوئية المؤدية الى منزلي كانت احدى المتسولات تذرف الدموع بغزارة طالبة من سائقي وركاب السيارات والمارة مساعدتها واعانتها والتعاطف معها لاطعام صغارها واسرتها المكلومة والتي جار عليها الزمن وقسوة ظروف الحياة … وكنت كالكثيرين غيري من العابرين ابادر لمساعدتها بما استطيع وبما يسمح به ظرفي المتواضع .
بعد اشهر من تكرار نفس الموقف غابت المتسولة واختفت تماما عن الظهور فدفعني الفضول للسؤال عن سر اختفائها المفاجيء وكانت صدمتي كبيرة جدا عندما علمت بانها تعرضت للدهس وتوفيت وتركت خلفها اراض وعقارات وثروة تقدربمئات الألوف من الدنانير جمعتها على مدى سنوات من التسول المقرون باللطم والبكاء والشكوى .
2 – في بدايات خدمتي كمعلم في وزارة التربية كنت مربيا للصف الخامس .. وكان حامد احد طلاب هذا الصف .. وعندما كنت ادخل لحصتي كالمعتاد كنت اتفاجأ بكثرة شكوى الطلاب من حامد … ” استاذ … حامد ضربني ، استاذ … حامد أخذ قلمي ولم يعيده … استاذ … حامد سرق مصروفي من الحقيبة .” فكنت اتوجه مباشرة الى مقعد حامد لاجده واضعا رأسه على المقعد ينحب ويجهش بالبكاء ويصرخ : ” استاذ كلهم كذابين … كلهم يكرهونني .. كلهم تهجموا علي …” وحقيقة لشدة بكاء ونحيب حامد فقد كنت اتعاطف معه فورا واحيانا كنت اعاقب الطلبة الآخرين على سلوكهم الذي يدعيه حامد المسكين بنظري .. كل هذا تكرر حدوثه لمرات طوال الفصل الدراسي قبل ان ادخل في احدى المرات فجأة الى الصف لأجد حامد وقد انهال ضربا على اثنين من طلبة صفه وسط تعالي اصوات بقية الطلبة واستغاثتهم بي فور دخولي : ” استاذ عندك حامد … استاذ لاقيلنا حل بحامد ” .. ابعدت حامد عن الطلبة وفتشت جيوب حامد و حقيبته وفوجئت بداخلها ببعض اقلام زملائه ومقتنياتهم المدرسية المتواضعة وما سلبه منهم من مصروفهم لذلك اليوم .
حينها فقط شعرت وبانني خدعت على مدى فصل دراسي كامل بدموع حامد وبكائه مما اعماني عن استغاثات زملائه اليومية وشكواهم المتواصلة من سلوكه الحقيقي .
3 – زوجة صديقي وجاري حسان والذي لم يمض على زواجه أكثر من اشهر طرقت باب بيتنا قبل ايام فادخلتها زوجتي واتصلت بي فورا للحضور .. عندما وصلت تفاجئت بزوجة حسان تنحب وتلطم وتندب حظها وتصيح ” الحقني يا استاذ صاحبك حسان طلقني ”
استدعيت حسان فورا وبدأت بمعاتبته على فعلته وتسرعه ولكني صدمت وذهلت عندما علمت بان زوجة حسان قامت بالقاء ثياب والدته العجوز المريضة في الشارع وقامت بشتمها وضربها وطردها من منزلها بعد ان رفض حسان الاستجابة لمطالباتها المتكررة بارسال والدته الى ملجأ العجزة والتخلي عنها وبعد ان رفض حسان الاستيلاء على ارث ابناء اخيه المتوفي والذي يعيشون تحت وصايته .
هذه المواقف الثلاث وغيرها مما لا يتسع المقال لسرده اوصلتني الى ان الكثير من اللطميات والبكائيات ليس بالضرورة ان تعبر عن حالة من الظلم والاضطهاد يتعرض لها صاحب تلك الدموع السخية وبان الكثير منها ليست اكثر من دموع تماسيح تخفي وراءها وحوشا وغيلانا اعتادت وراهنت طويلا على تلك الخدعة ومارستها وليس هناك مثال اكثر وضوحا ودلالة على ذلك من كذبة المحرقة اليهودية والتي استدر بها يهود اوروبا عواطف وتأييد العالم اجمع لانصافهم والسكوت على احتلالهم لفلسطين وقتل وتهجير شعبها ومصادرة ارضه ووطنه .
دموع التماسيح … اللطميات والبكائيات .. ادعاء المظلومية والاضطهاد … ممارسة ازلية اعتادها بعض البشر وباتت تتقنها العديد من الجماعات والقوى السياسية في سعيها الدؤب لكسب تعاطف العامة وتأييدهم في بحر من الكذب والتضليل واللعب بالمشاعر .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى