الرئيس الشجاع و”هيبة الدولة” / د نبيل الكوفحي

الرئيس الشجاع و”هيبة الدولة”
د نبيل الكوفحي

المتابع لقضية مطالب المعلمين وطبيعة التعامل الرسمي والاعلامي معها وتداعياتها اليومية، يخرج بنتيجة مؤلمة عن ” كيفية ادارة الحكم” الذي يتعالى عن المواطنين وحقوق أكبر قطاع من موظفي الادارة العامة، بدءاً من أنكار المشكلة فمرورا بالاعتداء عليهم وثم التحايل عليهم بلقاءات لا تهدف للتفاهم، وليس انتهاءا بالزيادة المالية الهزيلة.

الأداء الحكومي يعكس أزمة نفسية يعيشها معظم المسؤولين في طبيعة نظرتهم للمواطن الذي أقسموا اليمين على خدمته،كما أن أداء وتعبيرات معظم ما يطلق عليهم ” النخب السياسية ” يعبر عن حالة من تخمة الشبع التي لا تعرف معنى الجوع وتنظر للأخرين بالدونية من خلال الاستكثار على المعلمين زيادة تقل بكثير عن هدر مالي يقترفوه بشكل متكرر، مصدره الرواتب والتقاعدات الفلكية التي تزيد عن رواتب معلمي مدرسة بأكملها يقوم عليها قرابة عشرة معلمين (وربما ضعفهم) في بعض المدارس.

لن يكون رئيس الحكومة كما أي مسوؤل مهما كبر بمكانة أي رسول وهيبته، فكيف بسيد الرسل محمد (صلى الله عليه وسلم) ذلك الرسول الذي كان يخوض أول وأخطر معركة في تاريخ الدولة الناشئة، تلك هي معركة بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة. روى ابن هشام وابن كثير وغيرهما: (أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عدَّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح (سهم) يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو مُستَنْتِلٌ (متقدم) من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: (استوِ يا سواد)، فقال: يا رسول الله! أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني (مكِّنِّي من القصاص لنفسي)، فكشف رسول الله (صلى الله عليه وسلم)عن بطنه فقال: (استقد) (أي: اقتص). هذه هي أخلاق الشجعان، فلم يغضب الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولا أحد من أصحابه رضوان الله عليهم على ذلك (الجندي البسيط) الذي لم يذكر التاريخ عنه غير تلك الحادثة، ناهيك أن يحاكم ميدانياً بتهم العصيان والتمرد. لم تأخذهم العزة بالاثم وتعالوا عن المواطنين بحجة “هيبة الدولة”، بل بادر الى ما هو أكثر وأعظم من الاعتذار: أي القصاص، ولم تنقص من قدره (صلى الله عليه وسلم) وهيبة الدولة قيد أنملة.

مقالات ذات صلة

نقرأ في القرآن الخالد سورة (عبس وتولى) عتابا من الخالق عزوجل لنبيه في حادثة الاعمى الباحث عن النور، ونزداد حبا وتعظيما له (صلى الله عليه وسلم) ولا نجد مساسا بـ “هيبة النبي”. قد يقول قائل: انك تظلم الرئيس بمطالبته أن يكون بهذه الاخلاق، وأكتفي بالتذكير بقوله تعالى الموجه لكل مسلم (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).

وفي أخلاق القادة البشر غير الأنبياء: اسوق حادثة ثوب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أثناء خطبة الجمعة (أي أعظم خطاب رسمي للدولة) حينما وقف مواطن بسيط يمارس حقه، ليس فقط بحرية التعبير وانما بالمساءلة لرأس الدولة تحت عنوان : من أين لك هذا ؟، بل يعلن ما يطلق عليه اليوم بـ ” العصيان المدني” حينما وقف وقال : (لا سمع ولا طاعة)، ولم يسجل التاريخ ان مسوؤلا نهره او “اعلاميا ” خوَنَه، أو قال ان اللباس قضية شخصية، كما يخرج علينا أصحاب الاقلام الرخيصة، بل مارس الخليفة عمر قمة المسوؤلية الوطنية والاخلاقية والشفافية والتعامل مع حق دستوري لمواطن، وقال (أجبه يا عبدالله) ويقصد ابنه رضي الله عنهما.

قد لا تعجب هذه الاستشهادات بعض ” الحداثيون” بمختلف تصنيفاتهم، فأذكرهم بعشرات القصص من دول الغرب (قبلتهم وقدوتهم) لمسوؤلين قدموا اعتذارات علنيىة، بل قدموا استقالاتهم تعبيرا عن اعترافهم بالخطأ وشعورهم بالمسوؤلية، ونذكرهم ببلاد ” العم سام” وكيف استجابت حكومات لاضرابات للمعلمين هناك رفعوا ذات المطالب بزيادة الرواتب. بالاضافة لعشرات الاخبار عن اضرابات لقطاعات مختلفة نالت ما تطالب به.
ندرك الواقع الذي نعيش بكل سلبياته، كما نشاهد أخلاقيات الحكم عندنا وعند غيرنا، لكننا نكره الكذب والخداع الذي يُمارس علينا، ونرفض كل فساد وهدر وتبذير للموارد العامة، ومن واجبنا ان نرفع أصواتنا أفرادا وجماعات مطالبين بحقوقنا الاساسية وتطبيق العدالة الاجتماعية التي تزخر بها بيانات الحكومات، واذا كان من قلة ذات يد في الدولة: فنجوع معا ونشبع معا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى