وصفي في التاسع عشر

وصفي في التاسع عشر…
جمال الدويري

خمسون عاما، ولم يغب عن الأردنيين وصفي، ولا حابس وهزاع ورفاقهم من الرجال الأحرار الأنقياء الأتقياء الأوفياء، ولا من سبقهم ولحقهم من شهداء الوطن وكباره، الذين حملوهم كما الوطن الأردني العظيم، هوية ومجدا وشموخا، في الذكرى والذاكرة والفكر والعقل والوجدان، نعم، حملناهم مع خلجات النفس وفي مساري الدم ونبض الحياة، لأنهم صدقونا القول والعمل والتضحية، فصدقناهم الحب والعشق والاحترام.
وبعد خمسين من السنين، يسرني شخصيا، وغالب الأرادنة الأحرار، ان ترتفع اصوات الكثيرين تحت قبة التاسع عشر، بل لسان حال كتل نيابية كاملة فيه، بأسماء هذه النخبة الشهيدة التي تغنينا بها وما زلنا، حتى ظننت انهم ممن نجحوا للتو في نيابة التاسع عشر، يستنصرونهم ويستشهدون بما قالوا وما فعلوا وكيف احبوا الأردن العظيم، وكيف دفعوا ودافعوا عنه.
الأمة ايها السادة لا تجتمع على ضلالة، وبعد ان كان العشرات منا فقط، تقوم بممارسة الجرأة الوطنية بزيارة ضريح وصفي وبثه حزن الوطن وهموم الأرادنة وثقل حملهم، كانت تثور ثائرة الكثيرين، وتعلو عقيرتهم باتهامنا بالشوفينية والاقليمية وارادة استنساخ الموتى، بل ومنهم من تمادى بالاعتداء على ارث وصفي وشجرات غابته ومقامه في سلحوب والكمالية، حرقوا فزرعنا، وتمادوا وشتموا حين صفحنا وحفظنا العهد والمجد لعيون الوطن وعيون اخو عليا.
واليوم، وبعد خمسة من العقود مردفين، يثلج صدورنا ان نسمع الصدح بنشيد الشهداء الأبرار الأخيار المعنون بأسماء الأموات، الأحياء عند ربهم يرزقون، الذين كتبوا التاريخ فدخلوه من اوسع الأبواب وأطهرها، فخلدهم التاريخ في أنصع صفحاته وأسفاره.
وصدقت نبوءتنا وارتفعت سواري الأردن العظيم وتجذرت سندياناته شمخت نخلاته، وثبت اخيرا، اننا لم نكن نهذي او نبكي او نتباكى، عندما كنا نستفزع وصفي عند ضريحه، ولم نكن نمارس اللطميات وطقوسا غير حميدة، ونحن نزرع الشجر كما وصفي، ونخاف على الوطن ونفزع له كما وصفي، ونطالب بقوة بصاحب ولاية عامة تامة وصادقة كوصفي، وصاحب أياد طاهرة نظيفة شريفة عفيفة كوصفي، وعندما كنا نؤكد على خلو كرسي الولاية الحكومية العامة وشغوره الدائم منذ وصفي، لم نكن نتجنى او نتهم او ننتقص من احد، بل كانت المقارنة الموضوعية المنطقية الرزينة، التي اظهرت فضفضة البدلة الرئاسية على مقاسات الرجال الموظفة في المنصب والكرسي والأداء.
ومنهم من غضب ومن صخب ومنهم من ارغى وأزبد وشجب، لأننا أرسينا بحق في معايير الذاكرة السياسية الوطنية، مقاسات الرجال وحجم البطولات الحقيقية، فبدت الى جانبها الأسماء باهتة بلا محتوى، والثرثرة فارغة بلا معنى. نعم…لن يكلّ الأردنيون ولن يملوا، من التكرار والتأكيد على ضرورة عودة روح وصفي ورفاقه، فكرا وصدقا وحبا وعملا للأردن العظيم، ليعيش الأردن العظيم ويبقى الوطن العظيم، وأما الزبد فيذهب جفاء مع الطارئين الطامعين المرتزقة.
اما أنتم ايها المستنجدون بوصفي من تحت القبة، فإما ان تعملوا للوطن وأهله بفكر وصفي ونظافة ذات يده فتبقون، ليتحدث عنكم المجد والتاريخ، او ان تجدع انف لسانكم وكيانكم ومواقفكم رائحة العطاءات والمناقصات، وتغريكم المشاريع الدنيوية الناقصة، فتذهبون جفاء مثل من سبقكم من المزاودين وتجار الشعارات.
وأنت يا وصفي…فتأكد ان دمك وتضحياتك لم ولن تذهب هدرا، بل انها الباقية في الأجيال والغد، حتى يشمخ وطنك، ويعود الأردن العظيم، كما اردته، عظيما شامخا وحرا سيدا، طاهرا من كل الأرجاس والدنس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى