بيان مزعج للصندوق / سلامة الدرعاوي

قال صندوق النقد الدولي في مراجعته الأخيرة للاقتصاد الأردني في إطار اتفاقه مع الحكومة؛ إن السياسات المالية في العام المقبل 2016، تتطلب الموازنة بين معالجة التحدي الاقتصادي المتمثل في رفع معدلات النمو والتوظيف من ناحية، والحاجة إلى تخفيض الدين العام المرتفع والعجز الكبير في الحساب الجاري من ناحية أخرى.
الصندوق هذه المرة كان أكثر واقعية من بياناته الفضفاضة السابقة، والتي احتوت على عبارات تجميلية جعلت من الفريق الاقتصادي الحكومي يشعر بأن كل سياساته كانت إيجابية، والحقيقة المرة أن تلك الإجراءات وفرّت إيرادات سريعة للخزينة للحد من نمو عجز الموازنة المتنامي، لكنها للأسف كانت على حساب قطاعات اقتصادية مهمة جعلت الصندوق هذه المرة يدق ناقوس الخطر ويحذر الحكومة من الاستمرار بذات النهج.
تحذيرات الصندوق انصبت على عدد من المؤشرات السلبية التي لم تتحقق وفق ما توقعته الحكومة والصندوق معا، لعل أبرزها النمو الاقتصادي المتباطئ الذي جاء هذه المرة أقل بكثير مما قدر رسميا، والذي كان يتراوح بين 3.5 -4 بالمائة، والحقيقة أنه لن يتجاوز 2.5 إلى 3 بالمائة في أفضل تقدير، وهو ما يثبت أن السياسات والاجراءات التي اتبعت في الاعوام الماضية لم تكن تحفيزية بقدر ما كانت جبائية بالدرجة الاولى.
النمو المتباطئ يعني ضعفا في قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص عمل جديدة، والمعروف أن الاقتصاد الوطني في افضل حالات النمو التي تحققت في السابق (6-7) بالمائة لم يكن قادرا على خلق اكثر من 56 الف فرصة عمل، مع العلم ان اعداد الخريجين سنويا من مختلف الجامعات والكليات يناهز ال88 الف خريج، وتكون معدلات البطالة حينها بحدود ال14 -15 بالمائة، فكيف هو الحال اليوم في ظل تباطؤ النمو الى 2.5 بالمائة ووجود اعباء اضافية مثل اللاجئين السوريين والعراقيين، لاشك أن معدلات البطالة في ارتفاع، ناهيك عن أن جيوب الفقر هي الأخرى في تزايد وانتشار اكثر.
اما التحذير الثاني؛ فقد كان حول المديونية والتي تناهز اليوم 30 مليار دولار، وهي مشكلة حقيقية كبرى قد تتسبب بحالة من عدم الاستقرار؛ اذا لم يتطور ملف ادارة الدين العام، والخطورة في موضوع الدين انه نما في ظل تزايد المساعدات والمنح للمملكة، بحيث لم يتم توظيف هذه المساعدات في انجاز المشاريع التي تتطلب تمويلا وبالتالي الاستفادة من تلك المنح في تقليل الاقتراض، بل على العكس زادت المساعدات وزاد الاقتراض معا.
التقرير الاخير للصندوق دعا الحكومة إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة تساعد على خلق فرص العمل، وأن يتم معالجة المعوقات طويلة الأمد، والتي تواجه المؤسسات العامة وسوق العمل وبيئة الأعمال في الأردن (بما في ذلك الحصول على التمويل) وتعزيز التنافسية والحوكمة، وذلك في إطار الإصلاحات الهيكلية المدرجة في رؤية الأردن 2025، و أن تعمل السياسات على تشجيع العدالة والإنصاف، بما في ذلك اشتراط مساهمة المقتدرين بنصيب عادل في إيرادات المالية العامة وتهيئة بيئة مناسبة تكفل تكافؤ الفرص بين المؤسسات”، وهذه مسألة مهمة للغاية تدلل على مدى الإجحاف الحاصل في الهيكل الضريبي، وأن هناك عدم عدالة في الاستحقاقات للمكلفين.
طبعا الصندوق اشار الى ان الاقتصاد الأردني ما يزال صامدا في مواجهة البيئة الإقليمية الصعبة، نتيجة الصراعات الدائرة في العراق وسورية والتي استمرت بالتأثير سلبا على كل من التجارة والسياحة وثقة المستثمرين، لكنه اوضح ان ذلك الاستقرار مرتبط بشكل كبير في المساعدات التي يتلقاها من جهة، وانخفاض اسعار النفط من جهة اخرى، حيث يرى الصندوق أنه وانعكاسا للهبوط الحاد في أسعار الوقود والنقل، فإنه من المتوقع أن ينخفض معدل التضخم إلى سالب 7ر0 بالمئة في العام الحالي، وان يرتفع إلى نحو 20 بالمئة في عام 2016 مع توقع استقرار أسعار الوقود، وهو ما نستخلص منه أن العوامل الخارجية وحدها هي من ساعدت الاقتصاد الوطني على الصمود في وجه الازمات لا الاجراءات الحكومية.
salamah.darawi@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى