لماذا يكرهوننا ؟ / د . هاشم غرايبة

لماذا يكرهوننا ؟

هذا السؤال له جذوره المؤلمة المحفورة عميقا في ذاكرتنا ، فهو ليس استفهاميا ، بل هو تحريضي كرره الإعلام الغربي إبان سيطرة المحافظين الجدد ( المسيحية الصهيونية ) في فترة رئاسة بوش الإبن والأب لأمريكا .
بعد ( مؤامرة ) تدمير برجي نيويورك ، جرى تعبئة الرأي العام العالمي باتجاه واحد : استهداف مواقع الإسلاميين أينما كانوا ، وكانت لغة التشكي من كراهية المسلمين للغرب مقدمة لاحتلال العراق وتسويغا لكل تلك الحملات العسكرية ولكل ذلك الدمار الذي أحاق بديار المسلمين ، وما زال مستمرا إلى الآن .
هل كان هذا السؤال محقا ، بمعنى أن المسلمين يكرهون الغرب حسدا لأنهم متقدمون عليهم ؟
بالتدقيق تاريخيا في العلاقة بين الشرق والغرب لا شك أن الأمر معكوس تماما ، العرب قبل الإسلام كانوا قانعين بجزيرتهم القاحلة ، فلم تكن لهم أطماع خارج جزئها الشمالي ( العراق وبلاد الشام) والذي ظل مطمعا للغربيين ( الإغريق والرومان ) وللشرقيين ( الفرس ) على السواء ، فظلت هذه البقاع الخصبة خاضعة لاحتلالاتهم المتبادلة .
عندما قامت دولة قوية للعرب المسلمين ، لم تلجأ الى حروب الإستحواذ الإستعمارية ، مثل كل الإمبراطوريات الصاعدة ، بل كانت حروبها من أجل نشر الفكر الإسلامي الأممي ، الذي لم يكن فكرا استعلائيا عربيا ، بل إنسانيا يساوي بين معتنقيه بغض النظر عن الفوارق العرقية بين البشر ، لذلك كان توجه الفتوحات شرقا وغربا باتجاه الأمم الوثنية التي تعتبر الحكام آلهة ، ولم تتوجه شمالا نحو أوروبا لأن معظمها كان يعتنق المسيحية التي تعتبر ديانة سماوية ، الحروب في أوروبا التي قامت بها الدولة العثمانية كانت دفاعية في بدايتها ، فقد صدت حملتين صليبيتين نظمها البابا ” أورفان الثاني ” عام 1100 والثانية البابا ” باشال الثاني “في العام التالي وشارك بها الألمان والفرنسيون والطليان ، لكن في المعركة الثالثة في ” مرسيفان ” تم هزيمتهم نهائيا .
يلاحظ أنه حتى في حروب الدولة العثمانية ضد أوروبا لم تكن هي البادئة بالعدوان ، بل حاول الأوروبيون القضاء عليها وهي ما زالت ناشئة ، وعليه فلم يكن العرب المسلمون يوما غزاة لأوروبا ، بل العكس تماما هو ما كان يحدث في كل صدام بينهما منذ القرون الوسطى ، وجميعها كانت ناجمة عن اجتياحات عسكرية أوروبية : بريطانية أوفرنسية أوإيطالية أوهولندية أوبلجيكية أواسبانية أوبرتغالية ، ولم تكن يوما باتجاه معاكس .
إذن من الذي يكره الآخر ويضمر له الشر والأذى ؟ ومن الذي كان يسعى لدحر عقيدة الآخر فأرسل الجيوش الجرارة بحجة حماية قبر المسيح عليه السلام ، وهل كان المسيح أوروبيا حتى ينتصروا له من أهله الشرقيين ؟ أم هل كان هنالك اضطهاد للمسيحيون الذين بقوا على دينهم ولم يتحولوا الى الإسلام مثل بقية أهل الشام ، على العكس تماما فقد شارك المسيحيون العرب الى جانب المسلمين في طرد هؤلاء الغزاة .
هنا نصل الى التساؤل المعكوس ، لماذا يكره الأوروبيون وبقيادة أمريكا المسلمين ، فتركوا كوريا والصين والهند وباقي أمم الأرض ، وصبوا كل شرورهم طوال التاريخ عليهم ؟
هل لأن المسلمين غزاة يتقصدون تدمير الحضارة الغربية حسدا من عند أنفسهم ؟
أم لأنهم يسعون للسيطرة على الموارد الغنية الأوروبية ؟
أم يريدون تغيير الثقافة الغربية المنطلقة من المسيحية والتي عنوانها التسامح والمحبة ، وإحلال الثقافة الظلامية المنطلقة من الإسلام والتي عنوانه القتل والسبي ؟
يبدو أنه لاحاجة للإجابة على هذه الأسئلة ، فجميعها افتراضات معكوسة ، والواقع المعاش يؤكد تعارضها المطلق مع الحقيقة ، فالتساؤل الأول أكد لنا السرد التاريخي الآنف ذكره عكسه تماما ، أما موضوع الهجمات الإرهابية مؤخرا ، حتى لو تأكد المستحيل وهو أن المسلمين هم من قاموا بها ، فهي لم تكن البادئة فقد سبقتها قرون من إغراق الأوروبيين للمسلمين في شلالات من الدماء لم تتوقف حتى الآن .
أما عن التساؤل الثاني فلا ينكر الأوربيون أن حروبهم المتواصلة علينا دوافعها الحصول على مواردنا الطبيعية ، فيما لم يذكر التاريخ يوما بعثة استعمارية إسلامية غزت منطقة في أوروبا حتى ولو كانت لصيد الأسماك !
والتساؤل الثالث ستكون اجابته تهكمية من فرط مجانبة الواقع ، فأين حصلت حادثة واحدة أدار فيها الأوروبيون الخد الأيسر تسامحا مع المسلم الصافع لهم ؟ كل ما يحدث هو انتقام مروع وردود قاسية ، لنتذكر أحداثا قريبة ، كم مدنيا عراقيا قضى بهجمة صواريخ التوماهوك للرد على مؤامرة مزعومة لاغتيال بوش ، وعمليات إنتقامية مثل عناقيد الغضب والرصاص المصبوب .. ومئات الأعمال الوحشية بحق مسلمين أبرياء لا دخل لهم بالحدث ؟ .
نستنتج مما سبق أن الكراهية تحكم العلاقة بيننا ، إنما هي من طرفهم تجاهنا ، هم يكرهون منهجنا وديننا ولن يرضيهم إلا تركنا إياه والتبعية لهم ، ونحن لا نكره منهجهم بل تصرفاتهم العدوانية فقط .
وهل نحن أعلم بما في نفوسهم أم الله عز وجل الذي قال : ” وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ” ، وقوله تعالى ” هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ” .

– للإطلاع على المزيد من انتاج الكاتب يرجى الدخول على صفحته على الفيس بوك : صفحة الدكتور هاشم غرايبه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى