وتعطلت لغة الحياة

وتعطلت لغة الحياة
د.رياض ياسين

تقزمت رغباتنا وآمالنا بعد ان انكفأت جذوة الذات المستوطنة في غياهب الوهم فينا أننا في حياة جميلة وردية.ألا تتذكرون كم لبثا نلهث وراء رغبات زائلة ومتاع آنيّ سرعان ما يزول بزوال اللحظة، فنحن أبناء لحظة لا تدوم وعصر تدور فيه عقارب الساعة مخالفة قوانين الكون بتهوّرها وتسرّعها فلم يعد في العمر متسع للحُب والأمل.
“سّلم عليّا بعينك إن كان بخلت ايدينك كل اللي بيني و بينك زعله تمر و سلام، يا ما زعلنا و رضينا”، هذا ما ينطبق علينا، فهل ستمنحنا الحياة فرصة جديدة لنراضيها، وهل نحن مستعدون لعقد سلام جديد معها بعد أن اقترفت يدانا من الأذى والشقى للمسكونة برمتها”وأنا اللي جرحت إيدي بإيديّا”، لا أظن أننا قادرون ولا أجزم أننا قادمون لنبعث الأمل ونعقد صلحا جديدا مع الحياة برمتها.
الا تتذكرون كم لبثنا ونحن نلهث وراء متطلباتنا ورغباتنا وحاجياتنا دون توقف، دون رحمة، دون أناقة، دون لباقة، وكنا نشكو التعب والقلق والتوتر، ونعطل لغة الهمسات الجميلة في حياتنا لصالح الصرخات العالية التي تدوي الأرض من حولها فعن أي تلوث أحدثكم إنه الضجيج الذي ملأ حياتنا صخبا ونصبا.
كل شيء الآن يبدو رتيبا مملا، هذه الحياة التي باتت دموعها تنساب برقة من عينينا ونحن تحاول جاهدين ان نمسحها، وقد نفدت علب المحارم الصحية من جيوبنا فغزارة الدموع مثل السيل الدافق الذي ينهمر دون توقف، أخشى أن تتعطل لغة الحياة وتبقى لغة العيون التي هي الأخرى مهددة لأنها مغمورة بدموع الحزن والألم والحسرة على ما اقترفناه من ذنوب وخطايا.

هل نحن امام مجرمين مجهولين أمم معلومين لا نستطيع محاكمتهم والإمساك بهم والتعريف بخطاياهم، هل نحن قاصرين عن المجابهة مكتفين بكيل الاتهامات وتعداد الجرائم والخطايا دون أن نملك القدرة على المحاكمات والاقتصاص من مجرمي العولمة المفترضين؟
لا طعم في حياتنا فالعولمة خلطت النكهات الجميلة وذوّبت ما تبقى من أصول الأشياء في بوتقات جديدة مصطنعة تجافي أصول الطبيعة فأقصت الإنسان الذي وجد يوما في حالة الطبيعة دون ادنى طموح سوى ان تمنحه الدفء والهواء والزرع، وما طرأ أن الإنسان المعولم أجرم بحق الطبيعة فاصطنع الحرب معها بكافة أشكالها ونسي أن انتقامها سيكون أكبر من كل إمكاناته.
لست اهذي في نصف عقلي السليم الذي ابتعد ألم الشقيقة عنه مؤقتا فظل أقرب الى العاقل،… لكن حكايتي كملايين الحكايات في بلادي التي تبحث عن غفوة في زمن القلق هذا.. كنت ومازلت احب حياة ليست كالحياة.. أخاف على نفسي ومجتمعي من فقدان بوصلة الحب والسعادة.
صحيح أن جذوة الحب لا تنطفئ، تخبو نعم لكنها تعاود الاشتعال بعد أن نظنّ أن الخراب والدمار والشحار باتت كوابيس تقضّ مضاجع أمالنا فنحن مسكونون بالقلق والتعب المزمنين، لا مهرب منهما إلا إليهما مهما استرحمت نبرات دعواتنا ورجواتنا.
سنخرج قريبا الى عالمنا خجولين من أنفسنا وقد فارقناه قسراً لعلنا نعيد حساباتنا من جديد، فنقرض أنفسنا منه أملا نتصالح به مع نفوسنا وتلوث سلوكنا الذي أغضب منا الأرض التي منحتنا أكسجينها دون مقابل، يا لنا من أنانيين أحاديين.
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى