وترحلين بعيداً

وترحلين بعيداً
د خولة مغربي

تتسللين من بين ضلوعي فجراً، وتذهبين في غبش الصبح، إلى قبر لا حصاة فيه، وكأن الأرض تفتح رحمها مُمهداً ناعماً وادعاً، لتنامي فيه رقدتكِ الأخيرة، ترحلين ويرحلُ قلبي معكِ، يغادرني ويغدر بي، يتبعكِ تحت المطر في عتمة الضباب، ورهبة الصمت وفجأة الموت، تخيِّمان على الموكبِ إلى مثواكِ الأخير، يبكيكِ قلبي كطفلٍ أضاع أمه، فيبحث عن طرف ثوبكِ، أو تردد صوتكِ، أو صدى ضحكتكِ الجميلة، التي كانت تُشعِل الفرح بيننا، وتبعثُ فينا الأمل، فقد كنتِ النُّور والنوَّار، المنارة والمشعل، بالثقافة والوعيِّ والكفاح في معركة الحياة.

ترحلين وتخلفين وعدي بزيارتكِ، فور رفع الحظر، وتغادرين فجر العيد، فأنَّى له أن يأتينا بعدكِ، وأنَّى لنا أن نستقبله دونكِ؟! رفيقتي كنتِ، وصديقتي العُزَّى، يأتيني صوتكِ الضحوك الطفوليّ، النابع من قلبكِ المرهف لسماع الشعر، تتذوقينه كفاكهة طازجة، تتنسميه رائحة ياسمين ونعنع، يحلو الجلوس بين يديكِ، إذ كنتِ تطيرين بي وتحلقين، في رحاب واسعات من المعرفة، فأحفظها عن ظهر قلب، وأترقّب بشوق يحتلُّني احتلالاً، انساق إليه طوعاً، لمجالستكِ ثانية، وإن تعذّر ذلك، كنت أسرق الوقت لزيارتكِ، كي أسمع الجديد في صفحات كتابكِ.

تشاركينني ذكرياتكِ والرحلة الضنكى، وصعودها خطوة خطوة إلى القمة، التي لم تكوني لتستسلمي لها، فروحكِ العنيدة تأبى عليكِ ذلك، فلماذا تستسلمين الآن لماذا؟ قبل أن أراكِ كما وعدت، لماذا تتركينني رهينة الوفاء حتى آخر العمر؟

مقالات ذات صلة

تنكئين الجراح لمن رحلوا قبل أوانهم، وتلحقين بهم ليلاً وكأنكِ ترتكبين خطيئة.

سلام عليك في سدرة منتهاكِ، سلام عليكِ وأنتِ تعبرين باب الرّيّان، إلى الآرائك تتوسدينها أميرة ترفل بالسندس والاستبرق، في قصر من نور وضياء.

إلى روح خالتي في الغياب

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى