عرّفْ المنطق/ ميس داغر

عرّفْ المنطق
لم تتوقف مدينتنا عن القهقهة منذ سنوات عديدة. تحديداً منذ ذهبت شابة متفائلة تتحوّج لمطبخ والدتها، بعد أن استلمت أوّل راتب عملٍ لها في التدريس. اشترت شيئاً من الخضار، ثمّ بعضاً من المعلّبات، ثمّ طمحت إلى ابتياع كيلو من اللحم. عندما فتحت محفظتها لتدفع ثمن اللحم، تفقّدت ما تبقى من راتبها بعد جولتها القصيرة في السوق فاحتقن وجهها وخفق قلبها بشدة. نقّلت بصرها ما بين الأكياس القليلة التي ركنتها إلى جوارها حيث تقف، وبين ما تبقى من راتبها، وقالت بذعر: هذا غيرُ منطقيّ أبداً!
تناقلت مدينتنا جُملة الفتاة كنكتة طازجة، لا تسمعها أذن إلاّ ويقع صاحبها من الضحك.
مازح الزبائنُ شبهُ المفلسين البائعين بسخرية: هذا غير منطقيّ أبدا. ومازح أصحابُ المحال بعضهم بعضاً في نهاية أيام عملٍ فارغة: هذا غير منطقيّ أبداً!
تابع المشاهدون نشرات السياسة تَعِدُ بأيام قادمة مكفهرّة، ورددوا لأنفسهم بفكاهة: هذا غير منطقيّ أبداً!
ونفّس آخرون غيظهم إزاء كل ما يُذكّرهم بحُكم القويّ للضعيف، من خلال التعليق بنكتة “هذا غيرُ منطقيّ أبداً”.
ما زال استحضارُ تلك الحادثة مناسَبةً لأهل مدينتنا لإشاعة أجواء المرح والسخرية. وربما أنهم لشدة انسجامهم في أجواء الفكاهة، لم يحصل أن شكّلت لهم الحادثة – ولو لمرّة واحدة- مناسبةً للتفكير بجديّةٍ في ما يعنيه أن يكون هذا الأمر غير منطقيّ أبدا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى