فلنجرّب المشي / د.رياض ياسين

فلنجرّب المشي

السير على الأقدام للنزهة والمتعة بات على مايبدو غائباً بل مغيباً عن حياتنا وثقافتنا، والبحث عن الأسباب والخلفية في هذا المجال يتفاوت بين الناس لأكثر من داع وسبب، فمنهم من يظن ان سهولة وسائل النقل تحول دون الحاجة للمشي، ومنهم من يتعذر أن الطبيعة الجغرافية لاتساعد على المشي الذي يتطلب أرضا منبسطة لاتتوفر دائما في المكونات الجغرافية للأردن خاصة في العاصمة الحبيبة عمان. ومن ناحية اخرى بالنسبة للمشي بقصد العمل يرى البعض ان عصر السرعة لايحتاج للمشي فالجدول اليومي مضغوط لدرجة أحيانا لاتتيح المجال لسلوك الدروب والطرقات للوصول لمكان العمل او الاجتماع او حتى مكان الترفيه، كذلك يبرر تغييب المشي احيانا نتيجة الإرهاق والضغوطات الاجتماعية، وأحيانا نتيجة الظروف الجوية الطارئة من برد شديد أو حر شديد.

كلّ ذلك قد يكون مقبولا والتبريرات قد نقبلها، لكن عندما نفكر في فوائد المشي على الأقدام نشعر بأننا ظلمنا أنفسنا بصورة كبيرة، فالمشي هو أفضل رياضة يمكن ممارستها، وهي لاتكلف شيئا ماديا، هذا ناهيك عن التمتع والاستكشاف لأماكن قد لاتتاح لنا فرصة التعرف عليها ونحن راكبون في سياراتنا وحافلاتنا، وقد نستغرب من البعض أحيانا انه لايعرف مناطق جميلة قد تكون قريبة من منزله ببعض الكيلومترات أحيانا، كذلك ينشط المشي ذاكرتنا وقوة تخيلنا ويمنح قدراتنا التفكيرية هوامش أكبر وهذا ثبت علميا في أكثر من دراسة، ولاننسى المدرسة المشائية اليونانية في هذا المقام.

المشي يحتاج إلى أدبيات ،فهذه العادة يمكن أن تتحول إلى طقس له أدبيات غنية في حياتنا الاجتماعية والثقافية، والمؤسف أننا لانراعي هذه الأدبيات ليس من منطلق أن المشي هو طقس يحتاج الى تأطير بل بوصفه عادة يومية لايمكن مطلقا ان تغيب عن المشهد في احيائنا وشوارعنا،لكن الملفت ان الوعي لدى الناس ليس كافيا في هذا المجال من حيث الاستهتار باصول وقواعد المرور مثلا، فالشارع ليس مخططا فقط للسائق ليلتزم بقواعده بل فيه جانب كبير يخص المشاة، كذلك يذهلك كثيرا أولئك الذين يتركون الأرصفة المخصصة للمشي بمحاذاة الشوارع ويفضلون المشي على طرف الشارع وأحيانا في منتصف الشارع غير آبهين بان يأتي سائق متسرع او صاحب حافلة كبيرة فلايسعفه استخدام الكوابح فتحدث كارثة، فلماذا لايمشي الناس على الأرصفة؟ ربما يعتقد البعض بان الأرصفة ضيقة وغير مناسبة للمشي عليها وأحيانا متعرجة او متحدرة وأحيانا أخرى مليئة بالأشجار الصغيرة والكبيرة فهي من وجهتهم باتت شكلا تزيينيا للشارع وليس للمشي عليها، وهنا النقاش قد لايكون سهلا لأنه يرتبط بتخطيط للمدن وجمالية المنظر الذي لايمكن لأحد فينا ان ينكره.

مقالات ذات صلة

نحتاج المشي كثيرا ليمنحنا الفرصة لتهدئة نفوسنا التي باتت مغمورة بالتشاؤم والعصبية من كثرة الهموم والمشاغل والضغوطات، فالمشي فسحة لابد منها، وهي أفضل من النوم الكثير الذي لايزيدنا الا كسلا وضعفا في العضلات وارتخاء في قدرتنا على الإنجاز، والمشي له ثقافة خاصة فأنت عندما تمشي لوحدك تريد شكلا محددا من السلوك، وعندما يرافقك احدهم تحتاج الى سلوك آخر، وعندما ترافقك زوجتك تحتاج الى سلوك له طقوس خاصة جدا، وكثير من الرجال في مجتمعاتنا يعتبر أن مرافقته لزوجته في رحلة تسوق مشيا على الأقدام يعد من العقاب الذي يحرص على الانفلات منه، فعندها يفضل على ان يفرغ جيوبه من المال ويعطيها اياه بدلا من مرافقتها إلى مثل ذلك، وكثيرا ما نحتاج الى التنبيه الى أن المشي مع الاطفال واصطحابهم خاصة الى الاماكن المكتظة يتطلب وعيا وانتباها اكبر منا وللأسف لانعطي ذلك اهتماما كافيا.

المشاة في الشوارع يشتكون من عدم احترام السائقين لهم احيانا، فبدلا من ان يخفف السائق سرعته ويبطء لدرجة الوقوف ليسمح للمشاة بعبور الشارع بطمأنينة لكن ذلك لايحدث دائما، وهو نداء لابد ان نوجهه مرة أخرى لسائقينا الاعزاء في الحرص على مرور المشاة خاصة في الأماكن المخصصة لهم، كذلك نوجه الأخوة المشاة من القادرين على صعود الجسور المعلقة والمخصصة لمرور آمن لهم ان يسلكوها بدلا من الانتظار على ناصية الشارع لعبوره خاصة بعض الشوارع التي لاتهدا فيها حركة السير.

آن الاوان أن نبث التوعية مرة أخرى ونكثف الجهود المباركة التي تبذلها إدارة السير وامانة عمان، ونعظم من اهمية التوعية من خلال مدارسنا ووسائل إعلامنا المتنوعة،ولنأخذ هذا الموضوع على محمل الجد، كل أمنيات السلامة للجميع مشاة وركوبا.
Rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى