أفقي وعامودي

أفقي وعامودي / #يوسف_غيشان

ما أن تجلس مجموعة منا وتتكلم عن الأمراض مثلا، حتى يتبين لك من خلال الحكي فقط أنهم جميعا دكاترة ويفهمون في كل الحالات المرضية ويعرفون الإجراء الطبي المطلوب، وإذا كان الكلام عن كرة القدم تجدهم جميعا مارادونا، وفي السياسة يصبحون جميعا وزراء خارجية وأقلّهم محلل استراتيجي. لكن ما أن يتم تقديم المنسف، حتى يصمت الجميع، لكأن على رؤوسهم الطير.
وهناك بعض الأشياء التي نتفق عليها مثلا: نص ليمونة بباب الثلاجة، فنجان قهوه بعلبة السكر، علبة لبن أو أي علبة فيها الليفة للجلي قنينة البيبسي الفارغة (أم لتر ونص) يتم تعبئتها بالماء للشرب، علبة توفي فيها أغراض خياطة، تيب لاصق أسود أو أحمر على الريموت لغايات الحفظ والصون.
ويمكننا القول بالتخمين – فكل حياتنا تخمين في تخمين-أن98 % من الشعب الاردني يضعون نقطة في آخر التوقيع وليس لها أي لزوم، وأن96% منا نقوم بالتشبير وتحريك الأيدي خلال التكلم بالتلفون لكأن الآخر يرانا. ولا ننسى أن نرفع أصواتنا كثيرا، حينما نجري مكالمة دولية.
هل نزيد الإحصائيات حرفا؟،حسنا فإن 95% من تجمع سيارات الاعراس والمناسبات الأردنية يكون على باب محطة في تلك المحافظة، و85% من صحن البطاطا المقلية بخلص في المطبخ.
تلاحظون ان هناك الكثير من نقاط الإتفاق بيننا، وكل واحد منكم يستطيع أن يسرد الكثير من التشابهات في المزاج والممارسات العامة. تلاحظون أيضا أنها تشابهات في الشكل والمظهر فقط لا غير، لكننا نختلف-بشكل يؤسف له-في الكثير من الأشياء الجوهرية التي ينبغي الإتفاق عليها إذا أردنا العيش في دولة مدنية.
إذا نزلنا الى الشارع مثلا من أجل قضية مطلبية، نتفق اول عشرة أمتار من المسيرة، ثم كل واحد منا يرفع شعاره، ويقدم مطالبه على المطالب العامة، ويرفع أعلامه حتى تغطي اعلام المسيرة، ولا بنشر في مطبوعاته الحزبية سوى صور جماعته وأعلامهم.
إذا تنافس فريقان رياضيان في كرة القدم، أو أية كرة اخرى، ننقسم عموديا، لكأننا لم نذق العيش والملح مع بعضنا منذ قرون، ولم نتقارب في النسب والحسب، ولم نجُع معا ونبرد معا، وكأن قضيتنا ليست واحدة، وقوميتنا ليست واحدة ولغتنا ليست واحدة.
بالمحصلة، نختلف حيث ينبغي أن نتفق، ونتفق حيث لا يهم الاتفاق.
وتلولحي يا دالية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى