هل الزراعة أولوية وطنية؟

هل الزراعة أولوية وطنية؟
م. عبد الكريم أبو زنيمة

لو استعرضنا الأولويات والأهداف الوطنية على مدار العقود الماضية سنجد أنّه لم تكن هناك أهداف وطنية واضحة ومحددة عملت الحكومات المتعاقبة على تنفيذها، بل ما كان واضحاً هو تخبط الحكومات وانتقالها من رؤيا إلى أُخرى، ففي عقد الخمسينيات والسيتينيات صنفوا الأردن بلداً زراعياً ثم صنفوه بلداً صناعيا بعد تدفق رؤوس الأموال النفطية ثم بلداً سياحياً ثم بلد الخدمات ثم بلد تكنلوجيا المعلومات! والنتيجة هي فشل وإفلاس وفساد وتضليل!
الحقيقة الجلية هي أن الأردن بلد زراعي بامتياز، وهو بذلك يمتلك ثروة متجددة تغنيه عن كل الهبات والمساعدات والاستجداء لو أحسن الاستثمار في هذا القطاع، لكن السؤال الأهم هو: هل عقل الدولة أو الدولة العميقة تؤمن بهذه الحقيقة؟ وهل نمتلك الإرادة الوطنية لتحديد أهدافنا الوطنية العليا ونعد لها الاستراتيجيات والخطط والبرامج لبلوغها؟ ولنفترض أنه بعد هذه المآسي التي نعيشها وصلنا إلى هذه القناعة، فما هي الخطوات والإجراءات الواجب علينا العمل بها للنهوض والاستثمار بهذا القطاع! هناك عدة مهام وواجبات يتحملها كل من الحكومة والمزارعين، لكن البداية تتحملها الحكومة لتطوير هذا القطاع، وهنا لابد من التنويه بأني لست مختصاً ولكن يمكنني تقديم بعض الأفكار منها:
أولاً: لا بد من تعريف من هو المزارع، فكما هو غير مسموح لغير الطبيب بممارسة الطب، وعليه فلا بد من إيجاد تشريع ينظم العمل بهذا القطاع “ترخيص مزاولة العمل بقطاع الزراعة”.
ثانياً: تنظيم وتنويع الإنتاج، يجب تحديد مساحة الرقعة الزراعية لمختلف المحاصيل لتنسجم وتتوائم مع متطلبات السوق المحلي والإقليمي والدولي أي تطبيق النمط الزراعي وأن لا يُترك الحبل على الغارب للزراعات العشوائية مع تشجيع زراعة النباتات الطبية والزراعات غير التقليدية المرغوبة في الأسواق الدولية وكذلك البقوليات الأكثر استهلاكاً محلياً.
ثالثاً: تحديد الحد الأدنى لبيع الخضار والفواكه والحبوب والبقوليات وفقاً لكلف الإنتاج مضافاً إليه كحد أدنى 5% هامش ربح للمزارع.
رابعاً: إعادة النظر بالتشريعات “رسوم، ضرائب، جمارك، فاتورة الطاقة” بما يفضي إلى تخفيض كلف الإنتاج وتشجيع الصادرات لزيادة التنافسية في الأسواق الإقليمية والدولية.
خامساً: ربط الأردن الزراعي مع دول العالم المستهلكة من خلال مطار شحن زراعي مع إعداد البنى التحتية للتصدير “مشاغل غسل وتدريج وتوضيب، مخازن تبريد، تعبئة وتغليف، مختبرات فحص..الخ”.
سادساً: تشجيع وتسهيل الاستثمار في الصناعات التحويلية الزراعية “عصائر، رب البندورة ومشتقاتها، مربيات، تجفيف الخضار والفواكة، معلبات، مصانع إنتاج وسائل الإنتاج والمكننة الزراعية المختلفة” مع التأكيد على إعادة استملاك مصانع رب البندورة وخطوط التدريج في مواقعها المختلفة التي بيعت سابقاً.
سابعاً: تأسيس بنك التسليف الزراعي بالحد الأدنى من الفوائد وتشجيع المزارعين الاستثمار فيه من خلال حوافز تشجيعية.
ثامناً: تشجيع البحث العلمي لكل ما يتعلق بالزراعة “بذور، أسمدة ،علاجات، تقاوي…الخ ” وتوفير المخصصات المالية الكفيلة بإنهاء استيرادها من الخارج.
تاسعاً: ضبط أسواق بيع الخضار ومراقبة أدائها وكذلك ضبط محلات بيع الخضار للمواطنين لتشجيع الاستهلاك المحلي وأن لا تترك لجشع التجار.
عاشراً: كل ما ذكر سابقاً يتطلب تأسيس مؤسسة أردنية يتشكل مجلس إدارتها من 40% مؤسسات حكومية ذات علاقة بالقطاع و60% من المزارعين ضمن معايير محددة وهيكل وظيفي متلائم ومحدد مع طبيعة المهام والواجبات لنأيها عن سياسة التنفيع، تتولى هذه المؤسسة الإدارة والإشراف على تنفيذ كل مايتعلق بالقطاع الزراعي بدءاً من البذار وحتى إقلاع طائرات الشحن مع أهمية تطوير قانون اتحاد المزارعين ليكون شريكاً مع هذه المؤسسة والحكومة.
هذه إضاءة بسيطة لكن هناك المختصين والخبراء الممارسين لمهنة الزراعة يمكن الاستفادة من أفكارهم إن ما اقتنعت حكومتنا بالأهمية الوطنية والاقتصادية للزراعة وتوفرت لديها الإرادة لإنقاذ الأردن ومواجهة أكبر خطر يهددنا والمتمثل بالبطالة، وما ينطبق على الزراعة ينطبق بدرجة كبيرة جداً على قطاع الصناعة، فكلاهما يمثلان أهدافاً وطنية عليا يحب على حكومتنا إيلائهما الأهمية القصوى لبلوغهما، فإن تحققا سينهض الأردن من جديد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى