نيو إسلام

نيو إسلام
د. هاشم غرايبه

تعديل المسيحية لتتوافق مع متطلبات المحتكرين الرأسماليين تم في فترة مبكرة، فبعد أن نجح قسطنطين في القرن الرابع باعتماد المسيحية كـمجرد (ثقافة أوروبية)، بعد أن نزع منها جوهر العقيدة وهو التوحيد، فوفق بينها وبين المعتقدات الوثنية القديمة التي عددت الآلهة، اذ اختصرها في ثلاثة، أصبح من الممكن تجريدها من مكوناتها التشريعية، وجعل التدين مجرد قيم روحانية لا تتدخل في مسلكيات الأفراد.
بدأت محاولات المحتكرين ذاتهم $تعديل #الإسلام، بعد انهيار الدولة الإسلامية، لكن الصعوبة كانت بالغة الاستحالة بسبب وجود القرآن محفوظا من أي تغير حرف واحد فيه، وبالتالي مانعا من أي تعديل في #التشريعات المدونة جميعها بنصوص قاطعة.
قبيل سقوط الاتحاد السوفياتي، في مرحلة الاحتضار (بريسترويكا – غورباتشوف)، تزامن ذلك مع سيطرة المحافظين الجدد (معتنقي المسيحية الصهيونية) على مراكز القرار الأمريكية، الذين ترتكز عقيدتهم على معاداة الإسلام، ولما كان لا بد للرأسمالية الغربية من البحث عن عدو بديل لضمان ازدهار تصنيع السلاح (العنصر الرئيس في الصادرات الأمريكية)، وجدوا ضالتهم في عدو جديد – قديم هو الاسلام.
البداية كانت مع (فوكوياما) حيث بشّر عام 1993 بأن “السنوات القادمة ستشهد تغييرات هامة على الاسلام تشبه تلك التي أجريت على الكاثوليكية في القرون الوسطى”، وفسر المحللون ذلك بتحويل الدين الاسلامي الى طقوس تعبدية فردية، بإفراغه من محتواه التشريعي، وتحنيطه كتراث حضاري ثقافي.
أوضح هذه النية “كلينتون” في خطابه أمام البرلمان الأردني عقب توقيع معاهدة وادي عربه عام 1994، حينما حدد شروط قبول الاسلام الطيب (حسب تعبيره) ورفض الاسلام الشرير(برأيه).
عام 2001 كانت فرصة سانحة لتطبيق هذه السياسة على الطريقة الأمريكية (التدخل العسكري السافر)، وكانت الذريعة محاربة الإرهاب الإسلامي، فكانت تفجيرات برجي نيويورك تبريرا لشن تلك الحروب المدمرة، من غير الإفصاح عن هوية العدو، فرغم مقتل واعتقال أكثر من مليون إنسان مسلم، فلم يعتقل أو يحاكم حتى الان من يفترض أنه زعيم (الارهاب العالمي) بل قيل أنه إما قتل أو أعدم في ظروف غامضة، وما يثير التساؤل هو: لماذا لم تتم محاكمة هذا الشخص الأسطوري أو أي من الذين اعتقلوا بالتهمة ذاتها!؟.
على مستوى الأنظمة العربية، بعد أن فرض عليها الالتحاق بالحملة الأمريكية، كان الحماس على أشده والهمة عالية لا تكل في ملاحقة كل من يشتبه في تمسكه بالاسلام السياسي الذي هو النقيض للنيو – إسلام، وقد ساهمت القوى الوطنية اليسارية والقومية بفعالية في ذلك، لهدف مختلف هو إضعاف خصمهم التاريخي في الساحة الوطنية (الاخوان المسلمون)، وعندما كانت مصر مبارك زعيمة المعسكر، كان العمل العربي المشترك مكرسا بالكامل لهذه المعركة، في حين أهملت كل ماعداها من قضايا عربية خالصة مثل احتلال لبنان والعراق والاعتداءات على لبنان وغزة ، مما يدلل على مدى التفرغ لهذا الدور في ترسيخ مبادئ الدين الجديد.
في الأردن كانت المساهمة العسكرية محدودة ورمزية، وداخليا انحصرت مساهمته بوضع اليد على أموال الجمعية الخيرية الاسلامية، بحجة التحقيق في فساد مزعوم، وإصدار رسالة عمان التي تركز على مبادئ (الإسلام الطيب) بحجة توضيح الجوانب الانسانية في الاسلام للآخرين.
الأنظمة العربية الأخرى كانت أشد حماسا، ولأنها بطبيعتها قمعية استبدادية، فقد لجأت جميعها، سواء من تقول إنها علمانية أو تلك التي تدعي أنها إسلامية، الى أشد الإجراءات قسوة وهي تجريم كل من يدعو الى تطبيق شرع الله بتهمة الإرهاب، وقامت بحظر كل النشاطات الخيرية والتبرعات، وملاحقة واعتقال كل الدعاة المخلصين، وفي أحيان كثيرة إعدام من تعتقد أنه قيادي بحجة مقاومته للاعتقال، أو في السجن.
هنالك عنصر هام تناساه كل المنخرطين في حملة التبشير بالدين الجديد، مثلما أغفله من قاوموا الدين الحقيقي عند بزوغه، وهو أن من أوجد هذا الدين ليس محمدا صلى الله عليه وسلم، لأنه لو كان كذلك لانتهى بعد وفاته، بل هو خالق الأكوان والانسان، فلا ينزل ملائكة يدافعون عنه، بل يقيض له دائما من عباده المؤمنين من يحمونه من أي عابث.
الدين ليس مرحلة تاريخية انقضت، بل أنزله الله لكل البشر والأزمان، ولما أكمله بالرسالة الخاتمة، تعهد بحفظه الى يوم الدين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى