نيشان عن بُعد

نيشان عن بُعد

مجد الرواشدة

قد تبدو للعيان قطعة ملابسٍ عادية ، شُكَ بطرف طاقيتها نيشان عابر . لكنها بالنسبة لي كانت قُبلة على جبين قلبي الذي يعود منهكاً بعد يوم عملِ سواءً أكان عصيباً أم لطيفاً لطالما هو بعيدٌ عن وجه أولادي يبقى يوماً ثقيلاً على قلبي ، عدتُ كعادتي كل يوم أحمل بطرف يدي كيساً من الالعابِ الصغيرة كانت قد استوقفتني بمحل ( كل شيء بدينار ) ، دوماً كنت أفاجئهم عند عودتي تارة أدق بمفتاح السيارة على نافذه غرفة الجلوس وتارة أرنُ مطولاً على جرس البيت وكثيرا ما أنادي عليهم حين اقترب من الباب ولكن مهما تعددت سُبل وصولي لهم كان لسانُ حالهم دوماً يقول : ماما ايش جبتِ ؟ ، لذا اعتدتُ أن اشتري لهم من الدكان الذي يبيعُ به الشاب اليمني على حافة الحارة . لكن اليوم حمزه هو من حمل لي هدية العودة ، ما ان فتحت الباب حتى لامس مسامعي هدوء غير مسبوق أدركتُ حينها أن النوم زار جفونهم ، وأن صغاري متعبين لكنني أبيت إلا أن أوقظهم رغم قصر الوقت الذي أقضيه برفقتهم إلا أن ضجيجهم حولي هو راحة بالي . عدتُ وسرعان ما باشرتُ بترتيب ملابسهم ، المتسخ منها يعرف طريقه والنظيفُ أرتبه بكلتا يدي وأضعه في خزانتهم اليوم وبينما أرتب كنزة حمزه قلبتها فوجدتُ نيشانا ً أحمرَ رُبِط على حافتها لا شك أنها مربية ابني قد علمت أن النيشان قد لا يكلف سوى حركة بسيطه من يديها و لكنه يعني الكثيير ، شعرتُ أن النيشان لي جلست على حافة الكرسي ولمستُ النيشان بأصابعي كأنما لو أنني حمزه ، وهرعت ( للقداحة ) وأحرقت أطراف النيشان كي لا تنسل ، هذا النيشان أعاد لي صوت المعلمات في أيام الابتدائيه ضجيج صديقاتي حين كُنا نضع أسماء البرامات على طرف السبوره حيث كان لكل صف عريف ، يأخذ على عاتقه اداره زملائه بخمس دقائق التي تفصل الحصص ، حينها كان الأكثر تهذيباً هو صاحب النيشان . النيشان تقدير ٌ بغض النظر عن سبب نيله منهجياً كان أم لا منهجياً سلوكياً أم تميزاً أم تحفيزاً أم تعزيزاً ، هذا النيشان استوقفني فهذا الجيل جيل ( التييمز والمنصات ) والشُعب المقسمه، الايام الفرديه والزوجيه جيل الدوام الجزئي ، كيف له أن يعرف معنى النياشين ؟ تلك التي كانت تشكُها دبوس معلمة الرياضيات حين نحفظ جداول الضرب ، أم معلمة الشريعه حين حفظنا أحرف الادغام بغنه ، أم معلمة العلوم حين حفظنا تعريف التجوية والتعرية . هذا الجيل يعاني ويعاني لا متعة في تلقي العلم ، فالتييمز كتم المتلقي وترك المعلم وحيدا لا يرى ذاك الذي يفتح الكتاب بين الحين والاخر ليختلس معلومه ما ، ويفوز بنيل قولها ، يستطيعُ التعلم عن بعد أن يحقق كل شيء لكنه عاجز عن كم اللطف الذي يترك أثرا بقلب الطفل حين تميل المعلمة برأسها وتربط بيمينها نيشان الود ، النيشان الذي تركته اليوم ينام بين رفوف الخزانه عل ذلك يحفز بقيه الكنزات لتنال مثلما نالت كنزة اليوم . أرجوكم أعيدوا طلبتنا لمقاعدهم ألبسوهم الكمامات ولكن لا تحرموهم روعه النيشان حين يتميزون ، ألق عيونهم حين تلتقي بعيون مدرسيهم ، لا تخافوا أن نموت من الكورونا الخوف أن نموت ونحن جهله لا نعرف رسم الحرف ولا نتقن مسك القلم ، أعيدونا للطابور الصباحي لا تفتشوا عن طول أظفارنا فتشوا عن كماماتنا ، لا تكمموا معدة العلم فينا ، إن كانت المعدة بيت الداء والدواء فالعلم درهم الوقاية من شبح الجهالة . لا تحرموا أولادنا من نياشين الفرح . فالثقافة لا تكبر بنيشان عن بعد …

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى