ملامح من العقلية البدوية / منصور ضيف الله

ملامح من العقلية البدوية
كثيرا ما شغلتني العقلية البدوية ، وأثارت في من الشجون بوادره ، وفي كل مرة كنت أحاول فهم هذه العقلية ألوذ بستار من الصمت والسلامة ، فليس سهلا أن تكتب عن ذاتك ، وأن تصبح عرضة للنقد ، وموضعا للهجوم ، والناس عادة تخشى الحقائق ، وتستمرىء الزيف ، وترفض التغيير والتجديد .

البدوي صناعة الصحراء ، ونتاج طبيعي لها ، هو محصلة للتفاعل البشري الجغرافي عبر آلاف السنين ، وأن كان دور الجغرافيا أظهر ، وأثرها أكبر . إن انفتاح الصحراء وامتدادها و انكشافها، وخلوها من تعقيدات وتكوينات بارزة قد منح البدوي عقلية بسيطة ، تبتعد عن المركب ، تجفو البرهان القائم على التأمل ، وربط العلة بالمعلول ، فالأشياء على بساطتها في المتناول ، والجهد هنا مركوز في حفظ الذات أمام قسوة الصحراء وغدرها .

حفظ الذات منحت البدوي الشجاعة ، والانتماء العصبي الزائد ، والوفاء بالعهد لمن يعنيه أمرهم ، منحته الكتمان ، فليس من السهل أن يبوح البدوي بسره ، يعشق الليل وينادمه ، فهو الكاتم في معركة البقاء .

أن شجاعة البدوي آنية، ترتبط بفوائد ملحة وسريعة ، يقدم اذا أمن المعاطب ، ويحجم إن خاف المهالك ، وفي كل هذا يمتلك قدرة على التبرير والتصوير درءا للوم ، وحفظا للسمعة ، فاللغة سلاحه المطواع ، وكنانته التي لا تنفد ، ولأنها كذلك فالمبالغة جزء من وجوده ومعركته .

مقالات ذات صلة

والبدوي عنده دهاء ، ولديه مكر ، ودهاؤه وليد اللحظة والموقف ، يستخدمه في معاركه الصغيرة ، واعدائه الالداء ، وهم جيرته ، ومنافسوه على الحمى وكلئه ومائه .

وبنية البدوي تمتاز بالعاطفية ، وسرعة الانفعال والاستجابة ، وتقلب الحال والأحوال ، وهذه أثرت كثيرا في التكوين الاجتماعي ، في نظام الأبوة القبلي ، الذي يعتبر الشيخ صاحب سلطة مطلقة ، وقدرة غير قابلة للنقاش . إن أبرز ما انجبته القبيلة هو الشخصانية والفردانية إن جاز التعبير ، لذا غابت المؤسسية في أصل التكوينات ، وظلت عبر التاريخ طارئة ، وعابرة .

والأهم ، هي الرغبة المتأصلة لدى البدوي في تحقيق أمن العشيرة والقبيلة في وجه غزوات القبائل الأخرى . وقد احتلت هذه النزعة حيزا كبيرا من أدبيات البدوي ، في شعره ونثره ، في قصصه وحكاياه ، ضربت بها الأمثال والحكم ، وظلت تشكل هاجسا عميقا وغائرا في وجدانه .

لن أطيل ، ولكني أسأل : إلى أي حد ما زالت هذه العقلية تمارس سياستها في الواقع العربي الراهن ؟ وهل ستنجح في حفظ النظام العربي ومواجهة الأخطار المحدقة بنا ، وعلى رأسها ” إسرائيل ” ؟؟؟

إجابات سيحملها المستقبل .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. عند الكتابة عن الشخصية البدوية يحتار القلم كما احتار صاحبه…وتتزاحم الكلمات فالمسألة انك تمس الوجدان العربي المغرق في البداوة…
    مخزون ضخم من الشمائل والحكايا !!!
    في الاسم تختزل البدايات:بدايات العيش والكسب’بدايات الحب والحرب بدايات السيادة والرفادة والكرم العربي الاصيل.
    بدايات الشعر والقصيد ليالي السمر’ والنخوة والاصالة …….
    وللشخصية البدوية ملامح لا يدركها حتى البدوي نفسه’
    فيه سمرة مشربة بلون الخزامى’في رؤية ثاقبة تستشرف الواقع في رغبة لتحقيق معاني الانسانية والكمال
    ربما من امتلك اسرار البدايات احرى ان يرسم خطوط الغد ويقرر كيف تكون النهايات…….

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى