مبتدأ وخبر

#مبتدأ_وخبر

د. #هاشم_غرايبه

المبتدأ: يروى أن أحد الأعراب كان لا يفتأ يحكي لزوجته وأولاده حكايات عن بطولاته في سالف الأيام، ويشير الى سيف صدئ معلق في صدر الخيمة قائلا: بهذا السيف الذي ورثته كابرا عن كابر، قطعت رؤوس العديد من الوحوش والغيلان.
وفي ليلة عاصفة اشتدت ظلمتها سمع الأولاد صوتا مريبا خارجا فالتصقوا بأبيهم خائفين، لكنه طمأنهم أن ذلك ربما كان من صوت الريح، في اللحظة التالية سمع الجميع الصوت واضحا، فركضت الأم لتلتصق بالكتلة الآدمية التي تعلقت بالأب المرتعد، والذي فهم من تسمر عينيها على السيف أن عليه أن يمتشقه، وعندما سمع زمجرة منكرة في الخارج سحب السيف من غمده مغمغما: يجب أن أكون على قدر التحدي، وتكوم الأطفال مع أمهم في الركن الأبعد عن الباب وهو واقف امامهم وقد اخفت العتمة امتقاع وجهه وارتجاف يده، لأن الحقيقة التي يخفيها أن هذا السيف لم يستعمل قط إلا استعراضا في الدبكات والحنجله. ولما اقتربت الزمجرة أكثر وباتت قريبة من الباب صرخوا رعبا، وطلبوا من ابيهم أن يخرج ليقتل الوحش قبل أن يدخل ويفتك بهم، إلا أن الأب قال لهم بصوت مرتجف: لا لن أسمح له بأن يفرض علي زمان ومكان المعركة، سأقاتله حين يدخل، وتعلقت أعين الجميع المرتعبة بباب الخيمة المسدل، وإذ برأس كلب يظهر، ليدخل عليهم كلب هزيل ألجأه الجوع والبرد الى خبائهم.
ضحك الأطفال فرحا بزوال الخطر، أما الأب الذي كادت أن تخذله قدماه فقال مكابرا: الحمد لله الذي مسخك كلبا وكفانا حربا!.
الخبر: منذ أن نجح الغرب المستعمر في اتفاقية (سايكس – بيكو) المشؤومة بتقسيم الأمة العربية الى أقطار متنابذة، انتهى عهد أمجاد هذه الأمة، إذ لم تكن في يوم من الأيام متحدة مهابة الجانب إلا حين انتهجت العقيدة الإسلامية، قبلها ومنذ فجر التاريخ ظلت قبائل متشاكسة لا يجمعها كيان سياسي بل الرابط الوحيد فيما بينها هو اللغة، لذلك ظلت على الدوام مستباحة أراضيها لغيرها من الأمم، يتناوبون على استعمارها.
وفي القرن العشرين استقلت كل الأمم المستعمرة، وكونت كيانات مستقلة، باستثناء أمتنا، حيث قسمها الأوروبيون بهدف شرذمتها ومنع عودتها الى وحدتها الإسلامية، ونصبوا عليها أنظمة انتهجت العلمانية لتكون بديلا لمنهج الله الذي حظر اتباعه كمنهج سياسي اقتصادي، ولم يسمح به إلا كطقوس تعبدية.
لقد أثبت التاريخ أن الفكر البشري دائما تقدمي، أي لا يمكن لمن اهتدى الى سبيل أقوم أن ينكص الى الوراء، لذلك لم يمكن لمعادي منهج الله – برغم تمكنهم عسكريا واقتصاديا – أن يقنعوا أيا ممن دخل في دين الله من العودة الى ما قبله، فكل تلك الأمم التي كانت متنازعة لانتمائها لعصبياتها القومية، انصهرت جميعها في بوتقة الإسلام، فذابت كل الخلافات بينها بعد أن أصبحت إسلامية، وتحققت المؤاخاة الإنسانية الحقيقية فيما بينها بأسمى معانيها، والدليل هو ما نراه في موسم الحج، يلتقي كل بني البشر، يلبسون زيا موحدا، ويلهجون بنداء واحد برغم تعدد لغاتهم، ويجمعهم هدف واحد على اختلاف أعراقهم وألوانهم وقومياتهم، هو نيل رضى الله، لا يريدون غيره.

لهذا رأينا كل تركيز المستعمر الأوروبي منصبا على العرب، يسعى لإعادتهم الى جاهليتهم التي كانت تريحه، وشاهدنا قرنا من القمع والملاحقة من قبل الأجهزة الاستخبارية العربية لمتبني العودة الى الأمة الإسلامية الجامعة، والتي يعلمون أنها لن تقوم بغير العرب، ولما أن فشل كل ذلك بل وازداد التمسك بالإسلام، قاموا بفرز الأكثر إصرارا والمؤثرين تحت مسمى (الإسلام السياسي)، فأطلقوا عليهم نعوتا تشويهية مثل المتطرفين والمخربين والإرهابيين لتبرير البطش بهم بقسوة.
وكان ذلك عنوانا لكل ما جرى ويجري.
لتقبل الشعوب العربية تلك الأنظمة وتحمل فسادها، أوهمتها أنها تسعى لتحرير فلسطين وتحقيق الوحدة، لكن الوقائع التي جرت خلال العقود الثمانية الأخيرة، كشفت كم كانوا يعملون بعكس ذلك.
وكل شعاراتهم انكشف زيفها، عندما تبين أن استنزاف أموال الأمة بذريعة التسلح لأجل التحرير، ما أنتجت إلا سيفا صدئا معلقا للزينة، لم يستعمل في أي مرة ضد العدو بل ضد مواطنيهم، رغم أن عدونا ليس وحشا كاسرا كما أوهمونا، بل مجرد كلب هزيل، ما أبقاه في ديارنا إلا التآمر والتخاذل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى