مرثية غريب / أحمد المثاني

مرثية غريب

لعينيك المسبلتين على الوجع ، و لروحك المنتفضة، و هي تتصعد نحو العلى .. و لهذا البدن الذى تلاشى ، هيكلا بقية من إنسان ..
لنبض قلبك المعذب ، الخافق الذي نهشته أرصفة الاغتراب و موانىء اللجوء ..
لآخر زفراتك و أنفاسك .. التي لم تكمل بك الطريق .. و سقطت ممدا على غدر الزمان
و جحود العابرين بك .. و قساوتهم ..
لك وردة الروح .. و أغنية غجرية
بمثل روحك .. غريبة بمثل وجهك
أيها القادم من وراء الأفق .. أو الساقط من بين ثقوب السماء .. جئت بلا رقم .. و لا هوية .. و رمت بك الأيام على جزر قسوتنا
و وحشيتنا .. ألفتك الشوارع .. و أكلت من جلدك الأرصفة .. و حنت عليك القطط المشردة ..
كان نهارك مظلما مثل ليلك ،، و أنت تقبع في زاوية نسياننا .. و كان ظلك يتقاصر و
قامتك تنحني و أنت تذرع طرقات المدينة
التي تنام على عربدتها .. و أنت طاو .. على جوع بطنك و آلام غربتك .. الحر يصليك ، فتبحث عن زاوية ليس فيها آدمي يطردك و البرد يجلد ظهرك . و تكتوي وحيد بائسا
بحرقتك ..
أيها الغريب .. لمن تنازلت عن اسمك و عن هويتك .. و لمن أهديت أحلامك التي خبأتها
في طيات الدعاء و الرجاء .. و لكن ما من مجيب .. غير رجع صدى حظك العاثر .. و مصيرك المشؤوم ..
بالأمس قذفتك يد القدر .. فتلقفتك مسالك التشرد .. لم تهنأ باستراحة .. تسترجع فيها
أنفاسك .. و بالأمس لم تخذلك قدماك .. و أنت تجوب مسالك الضياع .. و ها أنت اليوم
قد أنكرتك الأيام .. و تخلى عنك العابرون
حتى بضحكاتهم الفاجرة .. و عبث الصبية
.. اليوم .. يوم خلاصك .. و راحتك .. و أنت
تلفظ آخر أنفاسك .. لتودع الأزقة و الحارات التي ركضت روحك فيها . و ها أنت اليوم تموت بصمت .. صمت مطبق .. و لا تجد من يمسح بكف الرحمة جبهتك .. لعلك راض بموتك و نهايتك .. و تركت للمدينة زيفها
و للفاسدين نعيمها .. و رحت تنعم بأكفانك
و تركت هذه المدينة عارية .. بفسقها و فجورها .. و نفاد انسانيتها ..
ربما سيحملك غريب مثلك إلى حفرتك
التي هي أوسع من دنياك .. في حياتك ..
و ربما سيقرأ عابر سبيل الفاتحة على
روحك ..
نم و اهنأ .. و عسى ربي أن يرحمك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى