ندوة القدس.. الثقافة جدارنا الأخير

عمان- إبراهيم السواعير – المتوقّع من ندوة (القدس: التراث والهوية)، التي تعقدها وزارة الثقافة نهاية الشهر (28 و29 الجاري)، في المركز الثقافي الملكي، أن تقرأ هوية المدينة المقدسة، وتؤكد المنطلق الثقافي في حمايتها والالتفاف حول تراثها العربي الإسلامي الضارب، والاستفادة من الخبراء العرب والأجانب المشاركين في مواضيعها المتكاملة، التي من أهمّها التراث.
الندوة التي استجابت بها الوزارة لمحيطها الثقافي العربي والعالمي، وحملت الخطاب الأردني بأصرح عنوان، إثر إعلان الجانب الإسرائيلي قبل مدّة هدم جسر باب المغاربة بحجة عدم صلاحيته، تؤكّد أن الثقافة تحمل السياسة وأن وزارات الثقافة الناجحة تستعين في قضايا الأمّة المصيرية بالعلماء ذوي الخبرة والمفكرين أصحاب الرؤية، لتتأكد نظرية أن الثقافة ليست للترف أو للترويح عن النفس مشاق الحياة، بل تتعدى ذلك لترسم الإطار الفكري لهذه الحياة.
وزارة الثقافة، حاضنة كل المنتديات الثقافية ومنها الهيئات العاملة لأجل القدس، توّجت عنايتها بالمدينة المقدسة على الصعيد الثقافي في حفز هذه المنتديات والجمعيات المتخصصة بالشؤون المقدسية على البحث والتقصّي والاشتغال على عمران المدينة ودراسة أوضاعها من الداخل، مثلما تفعل كل الوزارات المعنية في التربية والتعليم والأوقاف، وهي تتكامل مع هذا الدور المهم.
مواكبة وزارة الثقافة أكّدتها دعوة وزير الثقافة د.صلاح جرار منذ تصريح المجلس البلدي الإسرائيلي بقرار الهدم، لفاعلين في الشأن المقدسي بالاجتماع والتشاور من أجل ندوة مستعجلة، تتصف بالشمولية والتفصيل في ان، ترد المزاعم وتقف على الشرعيّة وتؤطّر الحق.
وإذ تلاقي الندوة ارتياحاً ثقافيّاً على مستوى هذه الهيئات التي أعربت عن تقديرها لدور الوزارة الفاعل وانسجامها مع وسطها الثقافي واستئناسها باقتراحات ورؤية هذا الوسط في جوّ من الشراكة والتعاون، فإن مخرجاتها وتوصياتها وأوراقها ونقاشاتها تنضاف إلى احتفاليّة الأردن بالقدس عاصمةً للثقافة العربية عام ألفين وتسعة، الاحتفالية الأبرز على المستوى العربي بالمدينة في سياق تتويجها بالمسمّى، استناداً إلى الثوابت الحكيمة للسياسة الأردنية تجاه القدس، وهو ما عبّر عنه جلالة الملك عبد الله الثاني بقوله: (نحن في الأردن الأقرب إلى فلسطين وإلى الشعب الفلسطيني، ومصالح الشعبين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية متشابكة ومترابطة، وكثير من الأسر الأردنية لها أخ أو قريب أو عزيز في الضفة الغربية، لذلك فإن كل ما يجري في الأراضي الفلسطينية يتأثر به الأردن).
الجانب المهمّ في الندوة، التي يُستضاف فيها العالمان في التاريخ والآثار الدنماركي توماس تومسون والبريطاني فيليب ديفيز، ووجّهت فيها الدعوة لمشاركة من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، هو أنّ مشاركة الأجنبي معناها حمله فكرة البحث ومحوره الرئيس ونشره الدفوعات ووجهة النظر العلمية في موضوع كبير، من مثل (القدس)، المدينة التي أُدرجت عام اثنين وثمانين من القرن الماضي على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، بجهود أردنية تتواصل اليوم لمنع الخطر الذي يحيف على المقدس الأصيل في الذاكرة والوجدان.
ولأنّ العلماء العرب والمسلمين كثيراً ما يتحدثون لأنفسهم ويتناجون فيما بينهم، فإنّ تأكيد قضية القدس، الواضحة وضوح النهار، وإشراك المنطق العلمي الموضوعي التاريخي والآثاري، يجعل من هذا (الآخر) يدرك كم نحن أمّة، مع ظلمه الشديد لها، ما نزال نحتكم إلى المنطق الذي به نتداول الأمور.
موضوع جسر أو حارة المغاربة من الخطورة بحيث هو وسيلة لهدم المسجد الأقصى، كما يرى د.صبحي غوشة، الذي يؤكّد أن إرهاصات محاولات التهويد هذه بدأت منذ عام 1967 حين تمّ هدم حارة المغاربة، ثم كان اللجوء إلى الهدم التدريجي لكي يتقبل الناس والمجتمع الدولي ما يحدث، فنكون إزاء حالة من الاعتياد للخطر الكبير، خطر ربط الأقصى بنفق من باب الخليل، لتسهيل هذه المهمّة.
توقيت الندوة يعكس الاهتمام الكبير الذي توليه وزارة الثقافة تجاه قضية القدس، إذ قرر المجتمعون في وزارة الثقافة أن تنطلق أعمالها بُعيد انتهاء العام الماضي، الذي شهد قرار الكنيست الإسرائيلي بالهدم، توخّياً للتحضير الجيّد ودعوة خبراء من اليونسكو، المنظمة العالمية ذات العناية بالتراث الإنساني البعيد عن كل المطامع والأهواء. وكما يذكر غوشة، فإنّ المذكرة التي كان رفع د.إسحق الفرحان نسخةً منها إلى وزير الثقافة حول موضوع (المغاربة) لقيت استجابةً بالدعوة إلى الفكر والحجة في مواجهة الخطر.
100 مؤسسة مقدسية في العالم الإسلامي يمكن أن تدعم في هذا الاتجاه، فالسلاح الثقافي لا يقلّ أهميّةً عن السلاح المادي، فكما يرى د.إسحق الفرحان، يجب أن يتم تبني القدس قضيةً عادلةً على مستوى المدارس والجامعات، يدعم ذلك الموقف الرسمي الأردني في تحرّكه السريع تجاوباً رسمياً لمنع هذا القرار.
التهويد الثقافي الذي يسير جنباً إلى جنب مع التهويد السياسي، يقرأه رئيس لجنة إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المهندس رائف نجم، من واقع المشاريع الثقافية الظاهرة المخطط لها، ففي حالة باب المغاربة الذي يبدو تهويداً دينياً، نحن أمام تهويد هو في حقيقته ثقافي انطلق منذ 63 سنة، حيث (التلّة) مفتعلة وعلماء الآثار الإسرائيليون أنفسهم يدركون حقيقة الحفريات وشواهد التاريخ، التي يتم تجاهلها أو تطويع ما يخالفها لإلغاء أبواب المسجد الأخرى والتفنن باستحداث الأنفاق.
أهميّة الندوة، أيضاً، في أنها تجيء في وقت، يراه نجم، تتسارع فيه مشاريع التهويد البيّنة للعالمين العربي والإسلامي والصديق في الصين واليابان وإفريقيا، حيث الظلم المشترك على المسيحي والمسلم تؤيّده أوراق الندوة التي من المهم أن تكاشف وأن تبتعد عن الغنائيات، فهي ندوة يحضرها إعلاميّون وفضائيات، من الواجب أن تضغط على إسرائيل، جنباً إلى جنب مع السياسيين.
ما يزال وجه القدس عربيّاً، مع أن باب المغاربة يشكّل مرحلةً من الحساسيّة الشديدة، يمكن معها أن تُستولد مشاريع تهويد خطيرة، إن لم يدفع العالم كلّه والهيئات المقدسية باتجاه التحذير وتبيان ضرر التهويد. ومثل ذلك تراه رئيسة جمعية نساء من أجل القدس نوال حشيشو، إذ تفعل المعلومة والثقافة التي يتسلح بها المثقفون فعلها في خلق أجيال واعية، تقرأ التاريخ الذي هو عند غيرنا كثيراً ما يتضمن جرعات تنفي الحق العربي وتؤطر الحق المضادّ المزعوم.
وما يزال أمان الأنفس والأموال والكنائس والصلبان والسقيم والبريء وسائر الملّة حاضراً في نفوس العلماء ورؤساء المجالس المهتمّة، يعودون إلى عهدة عمر بن الخطاب، حيث العيش المشترك والفسيفساء الجامعة، كما يرى رئيس المجلس المركزي الأرثوذكسي في الأردن وفلسطين رئيس جمعية أوقاف القدس د.رؤوف أبو جابر، الذي قرأ في تلك العهدة وثيقةً مهمّةً جداً في التمثل بها حين تُطرح مواضيع حقوق الإنسان على طاولة البحث.
الحقّ العربي في فلسطين، على عموم اللفظة، بحاجة إلى حماية إزاء التهويد الحاصل، فكما يؤكد أبو جابر، الذي يقوم بدور مهم في ترميم البيوت العربية في المدينة لحفظ ذاكرتها واتخاذها حجّةً مهمّة، فإنّ المشروع الاستيطاني لا يفرّق بين مسلم ومسيحي، فلا بدّ إذن من التلاحم الإسلامي المسيحي في الدفاع عن هوية القدس، وحين يدعم التطبيق التنظير فإنّ بيوعاً غير قانونية يجب أن تُمنع وهجرةً مسيحيّة مسلمة يجب ألا تستمر.
من هنا تظلّ الندوة بحاجة إلى العلماء والمهتمين والمثقفين وأصحاب المؤلفات المتخصصة للوقوف على الحاضر والاستشراف الواعي، فالنظر إلى الموضوع بعيون متنوعة الزوايا يدعم التوصيات ويثري النقاش، خصوصاً في قضايا الخلاف وسبب النزاع بين القوميّة والدين.
الاهتمام الأردني بقضيّة القدس على الصعيد المؤسسي، تمثله أكثر من جهة، منها اللجنة الملكية لشؤون القدس، وهي لجنة ناشطة جداً على مستوى المتابعة وقراءة ما يستجد بوعي قائم على المنهجيّة والتحليل، والتنبيه المستمر غير المرتبط فقط بحادثة أو طارئ، لذا، فإنّ حضور مثل هذه اللجان والمنتديات ومؤازرتها أعمال الندوة والإضافة إليها مهمٌ على صعيد التعامل من منطلق الخبرة والتناول اليومي المؤسسي لتفاصيل تظلّ غائبةً عن كثير من البحوث، في ظلّ استعجال القراءات.
هذا الاهتمام، كما يرى أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبد الله كنعان، يحتاج توصياتٍ لدعم الأردن، بوصفها خطّ الدفاع الأول والمهم، وهو اهتمامٌ يحمله جلالة الملك عبد الله الثاني وينادي به في جوٍّ من المكاشفة والصراحة التي استنّها الهاشميّون في رعايتهم هذه المدينة وجوارها المقدّس، على الدوام.

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى