لأولي الألباب

لأولي الألباب
د.هاشم غرايبه

تدشينا للديانة الصهيونية الجديدة (دين ابراهام)، أقيمت في أبوظبي صلاة مبتدعة في المعبد التثليثي (البيت الإبراهيمي)، صلاة بطقوس مشتركة (اسلامية مسيحية يهودية) لم ينزل الله بها من سلطان، تحت عنوان توحيد الديانات.
لا يحتاج المسلم لمن يقنعه بالإيمان بكتب الله، لذلك فالأولى أن تبذل الجهود لدى الذين ينكرون الرسالة الإسلامية.
في الإسلام، الإيمان بالكتب السماوية أمر لازم للإيمان بالله، ولا تفريق بينها في القدر، ولا يعتبر المرء مؤمنا إن آمن بكتاب وأنكر آخر، ولأنها جميعا مصدرها الله فلا يمكن أن يكون بينها تضارب أو تناقض، إلا أن المشكلة الواقعة هي في البحث عن أصول الكتب الاخرى ونسخها الصحيحة، لأن القرآن فقط من بينها هو ما حفظه الله، وقد ثبت ذلك من العثور على نسخ ثبت بالفحص بالكربون المشع أنها دونت في القرن الهجري الأول، ولا تختلف عما هو بين أيدينا الآن حرفا واحدا.
لذا فالمنطق يفترض أن يعتمد النص القرآني مصدرا صحيحا ومرجعا موثوقا.
جميع الإشارات القرآنية الى الكتب السابقة له، تؤكد أنها أنزلت بهدف هداية البشر وتبيان المنهج الواجب اتباعه، وأول تلك الكتب كانت الصحف التي أنزلت على إبراهيم وموسى، بدليل وصفها بالصحف الأولى:” إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُف الْأُولَى صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى” [الأعلى:18 ]، وواضح أن الصحيفة غير الكتاب.
وهذه الصحف لم تعد موجودة، لكن مضمونها بيّنه تعالى في قوله:” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اِسْم رَبّه فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة خَيْر وَأَبْقَى”[الأعلى:14 ]، وأكد تعالى ذلك في سورة النجم:” أمْ لَمْ يُنَبَّأ بِمَا فِي صُحُف مُوسَى وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيه سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى وَأَنَّ إِلَى رَبّك الْمُنْتَهَى… الْآيَات إِلَى آخِرهنَّ”، وبناء على ذلك ذهب العلماء (مثل ابن عثيمين وغيره) الى الإستنتاج أن مضمون الصحف كان وعظياً وليس تشريعيا.
الكتاب التالي الذي أورده القرآن هو التوراة، وورد ذكرها في خمسة عشر آية، وبين تعالى الغرض من نزولها:” إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ”[المائدة:44 ]، أي موسى ومن بعده عليهم السلام.
التوراة المعروفة حاليا تتألف من خمسة أسفار تنسب الى موسى عليه السلام، وأربعة وثلاثين أضيفت فيما بعد، فعدد آياتها تبلغ 23248 آية، أي أربعة أضعاف آيات القرآن، وما ورد في القرآن يشير إلى أنها كانت على ألواح:” وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ “[الأعراف:154 ]، ويبدو أنها كانت بمقدور حمل رجل واحد بدليل قوله تعالى:” وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ “[الأعراف:150 ]. لذلك نستطيع أن نتخيل حجم الزيادة التي تمت عليها خلال ألف عام.
الكتاب التالي كان”الزبور”، وليس هنالك أي أثر له غير ذكر القرآن له:” وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا”[الإسراء:55 ] و”وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ”[الأنبياء:105 ]، وهنالك اعتقاد غير مدعم بالأدلة أنه ذاته المزامير الواردة في سفر المزامير.
آخر الكتب السماوية قبل القرآن كان الإنجيل، وليست هنالك أية معلومة حول كيفية نزوله ومتى، وليس مؤكدا أنه ألقي في روع عيسى عليه السلام وبقي في ذاكرته، أو أنه دُوّن في نسخة مكتوبة، ولا شك أن الحواريين الذين لازموه ونقلوا تعاليمه للناس لم يميزوا بين كلامه وكلام الله، ولذلك ما نقل كان روايات تلاميذه لأقواله وتعليماته، ومن هنا نشأت عدة أناجيل، مجهول كاتبوها، وجميعها صياغتها بشرية.
نصل في النتيجة الى أن إرادة الله كانت في أن يبقى القرآن فقط محفوظا كما نزل تماما، لأنه جاء بالرسالة الشاملة لكل البشر وفيه كل ما يلزمهم، ولذلك قال تعالى:” وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ”[المائدة:48 ].
ونفهم الحكمة من ذلك، فالتشريعات دائما تنسخ ما سبقها، فليس من حاجة لإبقاء القديم، فدساتير البشر في أي بلد تجري عليه تعديلات كل فترة، بحسب ما يستجد في كل زمان، لكن لا يُعمل إلا بالنسخة الأحدث.
قبيل الإسلام كان أغلب أهل بلاد الشام ومصر من أهل الكتاب على النصرانية، ولأنهم كانوا مؤمنين، لذلك اتبعوا الرسالة المحمدية فور أن بلغتهم، فدخلوا الإسلام بقناعاتهم بلا إكراه، والى اليوم هم متمسكون به أكثر ممن نزل عليهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى