خرم الإبرة

الإصلاح مطلب وطن وليس قبيلة

خرم الإبرة
:الإصلاح مطلب وطن وليس قبيلة
شبلي العجارمة
نشأت الثقافة السياسية الشعبية الأردنية علی المحاصصة في التمکين بالذات في تشکيل الحکومات وتعيينات الوظاٸف العليا في الدولة ، وحتی لا أکن مثالياً للغاية، حتی أنا قبل زمنٍ ليس ببعيد لا أبریء نفسي من هذه الثقافة الخاٸبة ، حتی وصلت العدوی إلی عظم الدولة الأردنية وعصبها السياسي حدّ النخاع الشوکي ، فقد باتت السياسة الأردنية الداخلية بالذات تعتمد علی إرضاء الخواطر وکسب الود للقواعد الشعبية العريضة ، فما إن تشتعل جذوة حراك أو بداية تضخم اعتصام شعبي قبلي حتی تقوم الحکومة بتعيين جنرال کبير مديراً للأمن العام حتی ولو لم يکن عاملاً يتم نفخ الروح السياسية فيه من جديد وإعادته للمشهد لإخماد الأصوات المنادية بالإصلاح وإيصال الحقوق لعناوينها الصحيحة، والأمر ينسحب علی وزارة الداخلية والقيادات الأمنية ، وکلما کان الحراك مخيفاً والأصوات المحتجة عالية کلما زاد بريق المنصب وکان التکليف والتعيين أکثر دسامة .
جميعنا يعرف حقاٸق بالجملة وأمثلة واقعية عاصرناها وخبرناها بعين التجربة علی ما أتحدث عنه، ولعل المتتبع للسياسة الأردنية الداخلية لا يجد تعقيداً في التحليل أو صعوبةً في فهم المعادلة البداٸية لتلك السياسة .
ولعل الاستخفاف بفکر وثقافة المواطن البسيط وحتی المعقد منهم أيدولوجياً والذي نسمعه علی مستوی الفرد والعاٸلة والعشيرة حتی الصالونات السياسية وصولاً لبث فکر الدولة بأن هذا الوطن لا زال مقسماً حسب خريطة الاستعمار البريطاني شمال وسط جنوب بدو وفلاحين ، والأخطر أن کل مکون من هذه المکونات الديموغرافية لا يقبل بالتمکين والقيادة وصنع القرار من الآخر الديموغرافي ، حتی بتنا في حالة مرضٍ أسميته مرض التوحد السياسي.
لکن من يراهن علی أن هذه الأيدولوجيات والثقافة السياسية باتت سلعةً راٸجة لتمرير مخططات الحکومة وصفقاتها المشبوهة علی ظهر المواطن الأردني فإنه واهم حد الحلم في اليقظة،والدليل من من الأردنيين شمالاً وجنوباً لا يحب رٸيس الوزراء وصفي التل الفلاح الشمالي؟، ومن منا لا يحمل التقدير للمشير حابس المجالي الجنوبي ؟، ومن منا لا يذکر شعار أحمد عبيدات الشمالي ” من أين لك هذا “ الذي دفع ثمنها باغتياله سياسياً؟، ومن منا لا يعرف الجنرالين الخالدين خالد المطر العجارمة االبدوي الوسطي وخالد هجهوج المجالي الکرکي ؟، ومن لا يتفق علی الجنرال مشهور حديثه الجازي البدوي الجنوبي ؟ .
ولا زلنا نذکر دولة عون الخصاونة بکل خير ونصفه بالرجل الذي سجل موقفاً تاريخياً في نفس کل أردنيٍّ حر، حتی صار جزءاً من تعاليلنا السياسية في حضرنا وبوادينا دون التعرض لمنبته ومدينته ونشأته؟، هذه الأمثلة التي لدی الأردنيين الکثير منها تثبت فشل سياسة الدولة برهاناتها الأفشل بتصورها بأن هذا الشعب لا زال مکوناً قبلياً يقتتل علی المخترة ويتصارع علی المشيخة برغم أن الحديث هنا عن وطن .
وهذه العدوی تجذرت في التلاعب بانتخابات مجلس النواب والترضيات ، حتی الترضيات يتم تقسيمها من قبل الدولة حسب أهواٸها في اختيار النخب الأضعف طرحاً وتنفيذاً للبرامج،والأکثر ثراءً ومصالح خاصة ، والأکثر خداعاً ومراوغةً مع المواطن في تخديره وتظليله ، بما معناه ناٸباً کان أم عين يتم اختياره بصفات المعجون في رياض الأطفال ، وتنحدر حکاية التمکين حد البلدية وربما ستصل للمخترة وعرفاء الصف في المدارس.
سقطت ورقة التوت وانکشف المستور، ووصلنا لقناعات أن الإصلاح مجرد حبة علکة تباع من دکاکين الدولة ليمضغها الرٸيس قبل المرٶوس، أو حبة ريفانين في صيديليات الحکومة لم تعد تخمد ألم العطاس العادي.
لذلك باتت شکلية ثقافة التمکين والتعيين تربك المحللين السياسيين إذ يقولون ” نستطيع أن نحلل أي مشهد سياسي انتخابي لأي بقعة في العالم لمستجدات الساحة السياسية لتلك البقعة وتطوراتها إلا في الأردن تحديداً تتعطل کل أدوات التحليل والفهم ويضيع الدليل “ وهذا حسبما قاله حسن البراري أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية .
لا زالت الدولة الأردنية بساساتها وسماسرة حکوماتها تنظر من خرم الإبرة السياسية وتلظم خيط الإصلاح النفسي والشعبوي العشاٸري والقبلي والمناطقي، حتی بات الرهان علی الإنسان والوطن في المعترك السياسي قاب قوسين الانحدار أو أدنی من ذلك بالذات فيما يتعلق بالتحديات الخارجية من جانب إسراٸيل بشکلٍ خاص والسنفرة السياسية التي تجريها أمريکيا في المنطقة ومخالب القط الإيراني في الهلال الشيعي والتوغل في المنطقة.
ربما أن الدولة الأردنية لم تملّ بعد من لعاعة المجاملة السياسية التي نهشت جسدها من الداخل والذي ترجمه سرطان الفساد الذي استعصی علی کل الوصفات الإصلاحية والنصاٸح السياسية حتی أدخلنا في شباك وشرك البنك الدولي ونادي باريس وسلبنا کل إراداتنا السياسية سواء الداخلية أو الخارجية ، وصلنا ضمنياً بأننا دولة غير مکتملة السيادة رضي من رضي وغضب من غضب.
لا بد من المکاشفة والوقوف أمام المرآة السياسية دون أن نغسل وجه قراراتنا القبيح التي أرهقتنا بالصابون ، وأن نقف عراة بلا ملابس تستر سوأتنا کي نری أبعاد جسدنا المشوه ومناکبنا الهزيلة بکل حقاٸقها ، دون ارتداء البدلات الإيطالية التي تشعرنا بالعظمة الفارغة وبلا عطور باريسية تحجب عنا راٸحة العفن السياسي والتعرق المنتن الذي أوصلنا للتغابي سياسياً ، فالشعبويات کانت بدايات الدول وليست في نهاياتها المحتومة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى