موقف الشرف والصدق مع النفس

موقف الشرف والصدق مع النفس
موسى العدوان


” تنازعتني الهواجس والظنون وأنا أتجه بسيارتي إلى منزلي، لكن وسطها كانت قناعتي تزداد ثباتا بالعزم على تقديم الاستقالة. تكوّن لدي ما يشبه اليقين بأن اجتماع الرئاسة هو من أجل إدراج التعديلين، وبأن كل ما بقي أمامي في الساعات المقبلة أن أحدد وأختار بين : أن أكون نفسي وقناعتي وبكل ما تمسكت به وكتبته في آلاف المقالات اليومية، من مبادئ تتعلق بالدفاع عن الحريات وفي مقدمتها الحرية الإعلامية، أو أن أكون الرجل الباحث عن الألقاب والكراسي، مقابل أن أعارض ما يمليه علي عقلي وضميري “.
هذا ما قاله الصحفي ووزير الأعلام الأسبق طاهر العدوان في كتابه ” المواجهة بالكتابة “، بعد أن أقر مجلس الوزراء الإستراتيجية الإعلامية التي قدمها، لكي تعطي مزيدا من الحرية للإعلام. ولكن ظهر بأن هناك إصرارا من داخل الحكومة أو بضغوط تُمارس عليها، لتحويلها إلى قوانين عرفية.
فوعد بأن لا يذهب مع الحكومة إلى البرلمان، إذا حملت معها مشاريع قوانين ضد الحريات الإعلامية، والتي تشمل مشاريع القوانبن الخاصة بقوانين المطبوعات، وهيئة مكافحة الفساد، وقانون العقوبات. ثم جرى الانقلاب عليها من قبل الحكومة قبل أن ترى النور.
ويضيف العدوان قائلا : ” تذكرت لقاء جمعني وصديقا سابقا مع أحد المسؤولين الأمنيين، واجهت خلاله بكل صلابة الاتهامات التي حاول هذا المسؤول من خلالها أن يشكك بوطنيتي لأني أكتب وأنشر ملفات في العرب اليوم عن الفساد والصفقات المشبوهة التي ثبت قيما بعد صحتها.
في طريق العودة قال لي الصديق السابق : لماذا تعاند ؟ عليك أن تختار إما أن تضع كل جهدك وفكرك في سلّتهم أو تخسر كل شيء، وأضاف أما أنا فسأضع كل مواقفي في سلّتهم وللدفاع عنهم في الخطأ والصواب.
كان ذلك قبل 9 سنوات على وجودي في الحكومة في حزيران عام 2011. وكما فعلت في المرة الأولي، كنت أكثر تصميما بأن لا أضع عقلي وضميري ووطنيتي في سلّة أحد. سأترك عقلي بمكانه، كذلك قلبي ومشاعري، لسبب بسيط هو لإيماني بأن أي شخص مهما كان مسؤولا ومهما بدت عليه عظمة المنصب ومنافعه، لا يحق له أن يطابق بين مصلحة الشخصية وبين مصالح الوطن.
المنفعة الخاصة شيء ومصالح الشعب شيء آخر، الدمج يبنهما غير منطقي بل هو مخالفة كبرى، المسؤول الجيد هو من يضحي بمصالحة الشخصية من أجل مصالح الوطن وليس العكس، إذا تضررت المصالح الشخصية يتضرر شخص واحد أو عدة أشخاص، أما إذا تضررت مصالح الوطن فإن الضرر فادح وعام على الشعب والوطن.
وصلت منزلي وذهبت إلى الجلوس على مكتبي وإلى جانبي الراديو. في الساعة الخامسة قدمت إذاعة عمان موجزا للأنباء جاء فيه بأن مجلس الوزراء أرسل جدولا بأعمال الدورة الاستثنائية لمجلس النواب بناء على الإرادة الملكية، ثم عدد المذيع بنود جدول الأعمال، وجاء في آخرها مشروع تعديل قانون المطبوعات ومشروع تعديل قانون هيئة مكافحة الفساد.
قمت بعد ذلك بالاتصال بالزميلين الحباشنة والساكت لأخبرهما بأن إدراج المشروعين يعني بالنسبة لي الانسحاب من الحكومة، لهذا لن أحضر إلى منزل الرئيس في الموعد المتفق عليه مساء ذلك اليوم.
وفي صباح يوم الثلاثاء 21 حزيران ذهبت إلى مكتبي في رئاسة الوزراء وكتبت استقالتي وأرسلتها إلى الرئيس الدكتور معروف البخيت، ثم جمعت بعض الملفات الخاصة بي وغادرت إلى المنزل “. انتهى الاقتباس.

  • * *
    التعليق : هكذا يتصرف الوزير الشريف، الذي يسعى إلى المصلحة العامة، وليس إلى مصالحه الشخصية. إن ما نراه هذه الأيام في عمليات التوزير بعيدا عن التخصص والمعرفة، يتنافى مع المنطق ومع كل الأسس الإدارية المتعارف عليها.
    ويتضاعف الخطأ عندما يتم الجمع بين أكثر من وزارة سيادية، بأحمالها الثقيلة فنيا وإجرائيا بيد شخص واحد، وهو ما يدفع حتما إلى الفشل ووقوع المزيد من الأخطاء.
    والغريب في الأمر أن الشخص المنسب لمثل تلك الوظائف، يقبل هذا التعيين بكل أريحية، معتقدا أنه يملك العلم والخبرة من جميع أطرافها. وبهذا تكون النتائج وبالا على الوطن والمواطن.
    وختاما أقول : بارك الله بمن عرف قدر نفسه فوقف عنده . . !
    التاريخ : 16 / 3 / 2021

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى