موسم الأطباء: نماذج متباينة

موسم الأطباء: نماذج متباينة

د. ذوقان عبيدات

لكل مهنة موسم، فللمحامين موسم حين تزداد الحاجة للدفاع عن الحقوق. وللمهندسين موسم حين تحدث الكوارث البيئية. وللأطباء موسمهم في الكوارث الوبائية. وفي الأزمات يبرز أشخاص وقادة وتختفي أشباح كانت مسيطرة قبلها. ومن الواضح أن الساحة الآن للأطباء!

والأطباء عبر التاريخ لم يشتهروا بما قدموه من أداء طبي فقط، بل إضافة إلى ذلك كان هناك نشاط آخر قادهم إلى الشهرة!!

مقالات ذات صلة

ومن يتتبع الأحداث، يرى أن أبا العلاء المعري كان عالماً، ولكنه وصل إلينا عبر الشعر.. و أن ابن سينا كان طبيباً شاعراً، بل إن الطبيب ابراهيم ناجي لم يصل إلى الجمهور إلا عبر الشعر.. ويروى عنه أنه قال: حين أذهب إلى الشعراء يقولون لي أهلاً بالدكتور، وحين أذهب إلى الأطباء يقولون لي أهلاً بالشاعر.. وفِي العراق اشتهر أطباء عبر الفن التشكيلي مثل علاء بشير وقتيبة الشيخ، وهكذا هناك ما يحتاج إليه الطبيب – غير الطب – لكي يصل إلى الشهرة. فما هذا الشيء؟ وما هذه الحاجة؟

في محاولة لاستقراء الوضع الأردني في أثناء أزمة كورونا اشتهر عدد كبير من الأطباء، بعضهم اكتسب شهرة إيجابية وعديدون كانت شهرة سلبية!! حاولت البحث عن عوامل الشهرة:

هل هي الإنجاز الطبي؟ هناك أطباء وغيرهم لهم إنجازات عظيمة طبياً ، ولم يسمع بهم أحد!

هل هو الإعلام؟ هناك عشرات تحدثوا إلينا عبر الإعلام فلم يتركوا أثراً، أو تركوا أثراً سلبياً !!

هل هو الإخلاص؟ هناك أيضاً مخلصون لم نسمع بهم !

إذن .. ما الذي يقدم الشهرة لشخص ما سواء كان طبيباً أو غير ذي طب؟

لكي لا يكون الحديث نظرياً، أقول: هناك في الأردن:

أطباء اكتسبوا شهرة فائقة لكن سرعان ما تبخرت وتبخروا!!

وأطباء اكتسبوا شهرة سلبية، وما زالوا نجوماً على الساحة!!

وأطباء اكتسبوا شهرة إيجابية، ولكنهم أحتفظوا بتقدير الناس ولم يحتفظوا بتقدير السلطة!!

طبعاً لن أذكر أسماء الفئة الأولى والثانية لعدم قدرتي على توكيل محامين، وشعوري بالملل من كثرة ما دافعت عن نفسي. لكن سأذكر نموذجين وليس اسمان، لأنني لا أتحدث عن أشخاص إطلاقاً. نموذجين من أطباء اشتهروا إيجابياً على الساحة الأردنية باحثاً عن سبب الشهرة و عن سبب كسبها التأييد الشعبي وسبب إبعادهما عن الساحة ! أكرر أتحدث عن نموذجين لا شخصين في محاولة للإجابة عن سؤال: لماذا كسب هذان النموذجان الناس وخسرا السلطة؟ وهل يصعب الجمع بين رضا الناس والسلطة معاً؟؟

النموذج الأول يمثله نذير عبيدات. تحدث بصدق، وهدوء، أقنع الناس بذلك. تحمل المسؤولية بشجاعته، جابه ظروف استثنائية بهدوء كامل. كسب الشهرة ورضا الناس وسخط السلطة!!

النموذج الثاني يمثله عزمي محافظة.

طبيب استشرف عمق الأزمة مبكراً، تحدث بصدق وربما بجرأة وصخب، جابه ظروفاً صعبة سابقة لكورونا، تحمل المسؤولية بشجاعته. أبعد عن لجان الأوبئة ومؤسساتها. كسب الشهرة ورضا الناس و سخط السلطة أيضاً.

وخلف كل هذا فالمشترك بين النموذجين:

الصدق، وعدم السعي لكسب شعبوية. فنالا الشعبية وثقة الناس. حين يشعر الناس بصدق المسؤول يحترمونه، وللالتزام والثبات على الموقف.

والمشترك بين النموذجين أيضاً تفردهما! فالنموذج الأول تفرد بهدوئه وصدقه و طيبته. والنموذج الثاني تفرد بوحدانية موقفه عن الجميع، فكان كزرقاء اليمامة، أو كقول الشاعر:

منحتُ لهم نصحي بمتعرج اللوى…… فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

إذن التفرد ميزة، والسير مع القطيع ليس كذلك، المغايرة وليس المسايرة.. الاختلاف وليس الائتلاف.. فلا قيمة إن لم تكن مغايراً أو مختلفاً!!

قد تكسب المسايرة أمناً و استقراراً ، وقذ تؤدي المغايرة إلى التميز وحب الناس.

عودة إلى معادلة السلطة والناس: المسايرة تكسب رضا السلطة، والمغايرة رضا الضمير. وحين يكون النموذج حراً يكون تلقائياً لأجل الناس ومع الناس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى