الدور الحضاري للإسلام / د . هاشم غرايبة

الدور الحضاري للإسلام
أحد المفتونين بحضارة الغرب وتقدمهم ، كتب في إحدى صحفنا المنخرطة في الحرب الأمريكية على الإرهاب ، قبل يومين ، أن الدولة الإسلامية لم تقدم شيئا يذكر للحضارة الإنسانية ، وما قدمه علماء من أقاليم غير عربية كان بعد هزال الدولة ، وفي معظمه ترجمات منقحة لعلوم وفلسفات الأقدمين .
أمثال هؤلاء لا يستحقون الرد ، لأن أحقادهم الدفينة على الإسلام تحجب عنهم الرؤية القويمة ، ولست هنا بمعرض دحض آرائهم ، لأن من مفكري الغرب الموضوعيين على قلتهم ، من قدم الكثير المقنع من امثال ” زيغريد هونيكه ” ، في المقابل حاول الغالبية منهم تقزيم دور الفلا سفة والعلماء المسلمين في المسيرة الحضارية العالمية بادعاء اقتصار دورهم على ترجمة أعمال الأقدمين تماما مثلما يرى صاحبنا .
من الصعب تفصيل الإنجازات العظيمة للعلماء العرب والمسلمين ، لذا سأقتصر على إلقاء الضوء على الجوانب المغفلة والتي نسبت إلى الأوروبيين تزويرا وتجاوزا للحقيقة .
أبدأ بالمنهج العلمي التجريبي ، والذي ينسب الفضل فيه الى الإنجليزي روجر بيكون في القرن الثالث عشر ، لكن لا أحد يذكر أنه كان يجيد العربية لأنه تعلم في الجامعات الإسبانية التي كان اساتذتها من العرب المسلمين ، حيث أن أول جامعة في أوروبا هي جامعة باريس عام 1211 ، وأما جامعة كمبريدج فتأسست عام 1232 .
وتعلم من أساتذته أن هذا هو منهج العلماء المسلمين ، والذين تعلموه من الحديث النبوي الشريف : ” ليس المخبر كالمعاين ” ،
لقد سبقت الحضارة الإسلامية “بيكون ” بقرون واستخدم العلم كأداة لتطوير الحياة ونشطت الحركة التجريبية وظهر في علماء المسلمين كثيرون ممن اعتمدوا التجربة منهجاً أساسياً في المعرفة وأبرزهم كان جابر بن حيان في القرن الثامن ، كذلك كان الحسن بن الهيثم اشتهر في الغرب بمؤلفاته في حقل البصريات ، بينما شهد الغرب في هذه الفترة جموداً حضارياً إنعكس بالطبع على المدرسة التجريبية ، حيث كانت الفلسفة في القرون الوسطى من اختصاص رجال اللاهوت الذين حصروا أنفسهم في المنهج المدرسي ، وأضفوا عليه طابعاً دينياً وأبعدوا المنهج التجريبي بالطبع عن واقع الحياة.
موضوع كروية الأرض ذكرت في الفلسفات اليونانية كفرضيات ، لكن العلماء المسلمين مثل ابن حزم والبيروني والمسعودي والإدريسي أثبتوا ذلك علميا .
أما الفضيحة العلمية الكبرى فكانت ما كشفه الباحث الإنكليزي ” ديفيد كينج ” في كتابه ” موسوعة الرياضيات ” أن ” كوبرنيكس ” الذي كان يُعتقد أنه صاحب نظرية مركزية الشمس سنة 1543 ، تبين أن صاحب هذه النظرية هو ” ابن الشاطر ” والذي كان مؤذنا في الجامع ومصمما للساعة ، حيث اكتشفت مخطوطاته في منزل كوبرنيكس بعد موته والتي تتضمن النظرية التي نسبها لنفسه انتحالا .
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، لأن تدمير مكتبات بغداد على يد المغول أدى الى انتقال العديد من العلوم والأبحاث الى أيدي الأوروبيين الذين كانوا في بداية صحوتهم من سبات علمي طويل ، وكان البعض أمينا في نقل هذه المخطوطات ، لكن كثيرا من علمائهم أخذها جاهزة ونسبها الى نفسه ، مثل الطبيب الألماني ” هارفي ” الذي نسب إكتشاف الدورة الدموية الصغرى لنفسه مع أن مكتشفها الحقيقي هو ” إبن النفيس ” والذي اكتشف الكبرى أيضا ، وهو مخترع المحقن ( السيرنج ) .
ومما يذكر أن ” الزهراوي ” هو الذي اخترع الخيوط الجراحية من معدة القط والتي مازالت تستعمل في الجراحة حتى الآن ، إضافة الى عشرات الأدوات الجراحية ، وهو الذي فسر تكون الجنين من اتحاد من الذكر والأنثى استنادا الى قوله تعالى ” إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ” حيث أن أمشاج تعني اختلاط الأنساب ، وذلك قبل تطوير نظرية الزيجوت بثلاثة عشر قرنا .
كما يصر الأوروبيون على نسبة إكتشاف مجرة ” المرأة المسلسلة ” الى هاوي الفلك الفرنسي ” شارل مسييه ” مع أن الفلكي ” عبدالرحمن الصوفي ” حدد هذه المجرة وذكرها في موسوعته ” صور الكواكب الثمانية والأربعين ” قبل الفرنسي بستة قرون .
في مجال الإختراعات ، اعتبر الأوروبيين ” عباس بن فرناس ” مهووسا بالطيران لكنه فاشل ، وذلك حتى ينسبوا الفضل الى الأخوين ” رايت ” في ريادة الطيران ، لكن الحقيقة أنه صنع أول طائرة شراعية في التاريخ ، مع أنه لم يتمكن من تطويرها للإقلاع من الأرض ، لكن التاريخ المتحيز لا يذكر اختراعاته الأخرى مثل قلم الحبر السائل ، كما أنه ابتكر المدرعة العسكرية .
تنسب الطباعة الى غوتنبرغ الألماني حيث طبع التوراة عام 1400 ، لكن أول آلة طباعة صنعها مسلمو ” سنكيانغ ” وهي إقليم تركستان الشرقية قبله بثلاثة قرون ، وكان أول كتاب مطبوع هو القرآن الكريم .
من غير الممكن في هذه المقالة تعداد كل ما قدمه العلماء المسلمون من أفضال وانجازات علمية وفلسفية واجتماعية ، والتي أغفلت عمدا أو انتحلت ونسبت زورا لأوروبيين .
لكنني سأعدد تعدادا فقط أبرزها : الخوارزمي في اللوغاريتمات ومثلث باسكال والمحدبات ومقدمات اختراع الحاسوب … عمر الخيام والتحليل الرياضي … الجاذبية عند ابن سينا وهبة الله .. قوانين نيوتن موجودة حرفيا في ستة مصادر عربية عند ابن سينا والرازي وإخوان الصفا … التصوير عند ابن الهيثم في اختراعه القمرة ( الكاميره ) … لغة الإشارة في نظام البريد … بندول الساعة عند الصدفي …. وغير ذلك كثير .
هل أجبنا على ذلك الحاقد الذي يدعي أن المسلمين لم يقدموا شيئا غير ترجمة فلسفات الإغريق ؟؟؟

للإطلاع على المزيد من انتاج الكاتب يرجى الدخول على صفحته على الفيس بوك : صفحة الدكتور هاشم غرايبه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى