من رسائل نهرو وهو في السجن إلى ابنته أنديرا

من رسائل نهرو وهو في السجن إلى ابنته أنديرا – 10 : شرقي الأردن.
كتب موسى العدوان
يقول نهرو عن شرقي الأردن ما يلي وأقتبس :
” تقع شرقي الأردن إلى الشرق من فلسطين، وهي دولة صغيرة خلقتها بريطانيا بعد الحرب. إنها بلاد صغيرة تحدها الصحراء وتقع بين سوريا والجزيرة العربية، ويبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة، أي أن سكانها لا يزيدون عن سكان مدينة متوسطة. وكانت بريطانيا تستطيع بسهولة ضمها إلى فلسطين، ولكن السياسة الاستعمارية تفضل دائما التفريق على التوحيد. وتلعب هذه الدولة دورا هاما في حلقة المواصلات البرية والجوية إلى الهند، كما أنها تشكل حاجزا يفصل الصحراء عن الأراضي الخصبة القريبة من البحر.
ومع أن هذه الدولة صغيرة، إلا أن أحداثها تشبه الأحداث في البلاد الأخرى الكبيرة والمجاورة. فالشعب فيها يطالب ببرلمان ديمقراطي، ولكن المسؤولون لا يوافقون ويزيدون على ذلك بفرض الرقابة على الصحف، ونفي الزعماء وتفريق المظاهرات. وقد عرف الإنجليز من يعينون لحكم هذه البلاد، فعينوا الأمير عبد الله بن الملك حسين وأخ فيصل، حاكما على شرقي الأردن وكان طوع بنانهم . . ! وقد أفاد الإنجليز في أنه كان يتلقى عنهم كل اللوم، فازدادت كراهية الشعب له. والحقيقة أن شرقي الأردن في ظل عبد الله تشبه الإمارات الهندية الصغيرة.
تعتبر شرقي الأردن دولة مستقلة نظريا، ولكنها ترتبط مع الإنجليز بمعاهدة، وقعها عبد الله في سنة 1928، وأعطى فيها كافة الامتيازات العسكرية وغيرها لبريطانيا. وأصبحت شرقي الأردن في الحقيقة قسما من الإمبراطورية البريطانية. وهذا مثل جديد ولو على مقياس صغير، على طراز الاستقلال الذي ينشأ في ظل الإنجليز. وقد عارض الأهالي سواء منهم المسلمون أو المسيحيون هذه المعاهدة، ولم يُرضهم ما يجري في البلاد.
إلاّ أن هذه المعارضة قد أخضعت، كما أغلقت الصحف جميعها حتى المؤيدة للحكومة. عندئذ اشتدت المعارضة، واجتمع مؤتمر وطني أقرّ ميثاقا وطنيا شجب فيه المعاهدة. ولما بدأت الحكومة في تحضير جداول الانتخابات، قاطعتها أغلبية الشعب. ومع كل هذا فقد استطاع عبد الله بمساعدة الإنجليز، جمع بعض الأنصار وإقناعهم بالمصادقة على المعاهدة. وقامت في شرقي الأردن مظاهرات كبيرة في سنة 1929 احتجاجا على الإنجليز ووعد بلفور.
أتحدث إليكِ عما يحدث في أقطار مختلفة، ويظهر أن ما يحدث في قطر من الأقطار يحدث في غيره. وإنني أحدثكِ كل هذه الأحاديث، لأبين لكِ أننا عندما نناضل ضد الاستعمار لا نناضل لوحدنا، كما أن مشكلتنا ليست مشكلة فريدة في نوعها، فالقومية الصاعدة في الشرق تستعمل نفس الأساليب في صعودها. كما أن الاستعمار يستعمل نفس الأساليب في مقاومتها. ومع أن القومية تزداد نموا فإن أساليب الاستعمار لا تتغير كثيرا “. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق:
نستنتج من هذه الرسالة ناحيتين هامتين: الأولى هي الوعي الوطني والقومي لدى الشعب الأردني، قبل حوالي قرن من الزمان. والثانية هي مدى إطلاع نهرو، ذلك الزعيم الهندي العملاق، على أحداث العالم بدقة متناهية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى