مَنِ المَسؤول ! / م . عبدالكريم أبو زنيمه

مَنِ المَسؤول !

يتشابهُ حالُ مُعظم الشعب الأُردني ، الذي أنهكه الحاضر والواقع ، فلم يجد بُداً من الحنينِ إلى أيامِ الماضي ، التي لَم تَكُن مِثاليةً بالطبع إلا أنَّها الأمثل مُقارنةً بحاضرنا ، في ذلك الزمان كان الطهر والنقاء والصفاء..كان الصدق والعفة والاخلاص..كانت الامانة والشرف..كنا نستهجن ونستغرب مَقولة ” معك قرش تسوى قرش” التي كانت تَرِدُ في الأفلامِ المصرية ، في ذلك الزمان كان الكاذب والمرتشي والسارق لا يقربه أحد بل ويُنبذ من المجتمع ، كل هذا لم يعد موجوداً اليوم وانقلبت القيم ! اليوم الكاذب والنصاب والمرتشي وتجار المخدرات وسارقي أموال الشعب هم من يتصدرون المجالس ويُمثلون المجتمع.
أسوقُ هذهِ المُقدمة لما أراه ويراهُ كُلُ الأباء والأُمهات الذين باعوا كل ما يمتلكونَ لتعليمِ أبنائهم وأنفقوا عليهم الآلاف ليتعلموا وليحصلوا على المؤهلاتِ العلمية لينتهي بهم الأمرُعلى قارعة الطرقات والشوارع والمقاهي إنتظاراً لفرصة عمل قد لا تأتي..شبابٌ في ريعانِ العُمرِ فقدوا الأمل بالحاضر ويُحاصِرهم الظلامُ القادم مِن المُستقبل..جيلٌ بأكملهِ سُرقت مِنهُ بهجةُ الشباب وأضاعَ شبابه مُتخبطاً في غياهبِ اليأس والإحباط وفقدان الامل..ماذا نأمُلُ ممن جاوزَ الثلاثينَ عاماً ولما يَزل حاملاً شهادته الجامعية باحثاً عن أية فرصة عمل تقيه مذلة الحياة ولم يجدها؟ هل نأمُلُ مِنه أن يرفع رأسه قائلاً أنا أُردني ؟ ما هو المُتأمل ممن تورط في الزواج وأنجبَ طِفلاً أو طفلان ودخلُهُ لا يتجاوز (500) دينار لا يكادُ يكفيهِ لمنتصف الشهر ، ويسكُن في بيتٍ مُستأجر ويكافحُ في هذهِ الحياة التي أصبحت حلبة للحيتان وأباطرة المخدرات ومحتكري قوت الشعب وناهبي الثروات ، هل سننتظِرُ من هذا الشاب أن يكون نزيهاً وأميناً ومخلصاً في عمله ! من المسؤول عن الطوابير المُصطفة على أبواب السفارات من شبابنا !!!من المسؤول عن قتل أمل وأحلام الشباب ؟ في المقابل هناك من تكون هديته في حفل تخرجه دائرة أو مؤسسة أو شركة ليرأسها أو ملحقاً في سفارة أو بعثة دبلوماسية!
كحلٍ لأزماتها الإقتصادية ، لجأت عِدةٌ من الدولِ التي عانت مِنها إلى الشعبِ للأخذِ بآرائهِ ومُقترحاتهِ ، ولعلمِ الإقتصاد الذي من أبجدياتِهِ في سبيلِ تحريك عَجلة النمّو ، ضرورة تخفيض نسبة الفائدة على القروض وتخفيض الضرائب وذلك لتشجيع الاقتراض وإنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة والإستثمار التي تُعدُّ الأساس والمُحرك لعجلة الاقتصاد واستيعاب القوى العاملة ، لكن ما يجري لدينا هو العكس تماماً ، فالضرائب التي لا تعد ولا تحصى والفوائد المرتفعة سرّعت من هجرة الاستثمارات للخارج وإغلاق الكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي أدت الى تفاقم البطالة وزيادة أعداد الباحثين عن عمل وما ينتج عنها من تفاقم المشاكل الاجتماعية ومخاطرها ، عندما لا تجد الحكومة غير جيب المواطن المُعدم لتغطية عجزها وتبذيرها فهي حكومةٌ فاشلة عاجزة عن تقدير المخاطر وإدارتها أو أن النتائج الكارثية التي ستنشأ عن هذه السياسات لا تعنيهم في شيء.
آخر ما قدمه لنا العالم من نماذج لمحاربة الفساد أتى من تايلاند ، فأحد الضباط ارتشى..رشوه ! ” وشو يعني رشوة بدها تخرب تايلند ” هو لم يحرك الفصيل المسؤول عنه ليهين كرامة مواطن على مرآى من الناس..هو لم يهين وطن بأكمله..هو لم يسطو على الكهرباء الوطنية لبلده..هو أهان نفسه وخالف القانون ! فكان جزاؤه بأن أُحضِرَ مُقيداً الى إحدى الساحات العامة وعلى مرآى من الناس جُرِّدَ من رُتبته العسكرية وطُرِد من الخدمة..هكذا تبنى الأوطان..فمن المسؤول عن كل هذا الخراب ما دامَ أنَّ أحداً لم يُقالَ مِن مَنصِبِهِ ولم يُجرَّد مِن رُتبتهِ ونياشينهِ !
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى