مطارق رمان .. وجنون العصر

مطارق رمان .. وجنون العصر
د. حسام العودات

كان والدي رحمه الله قد سبق أنظمة العرب في حكمة ترويض العباد , فكان مولد ( ادفع الفاتوره , وبعدين اعترض ) على يديه , فما أن يرده نبأ جهلنا حتى يبدأ بالعقاب قبل السؤال , وبينما نحن تحت السياط نردد : أحد أحد , كان يسألنا عمّا حدث , وعمّا كان وسيكون . وكم تجدد الجلد على أجسادنا الغضة عند كل فطبول قادته أقدامنا الى جنان الجيران المعلقات .

لكنه لم يرد أن ينجب أبناء يعاتبه الناس في سجاياهم , فقد كان يريد معتصما في بيته , وأينشتاين في مدرسة القرية وقد عزّ فيها الطبشور .
سياطه لم تنفعنا الا القليل , فلم يكن من أصحاب المعالي والسعادة و العطوفة أحد من الأبناء , والحمد لله على ذلك , فلم نظلم أحدا وقد عشنا كالأرانب بجزر وسلام .
وفي أحد أيام طفولتنا , ذهبت وشقيقي الأكبر جمال نتابع مصارعة كابوكي عند أبناء عمتي في بيتهم , ولم نستأذن من والدنا , فقد كان في دوامه مناوبا يوم واقعة التلفاز .
علم والدي نبأ تمردنا , فاستدعانا عصر اليوم التالي الى باحة الدار , تماما كما دعا الخليفة واليا عنده قائلا : عينك في الكتاب , ورجلك في الركاب .
فعلمت كما قال أحدهم : أنني بضيع يا وديع . وأدركت أننا سنكون ضيوفا على التلفاز في برنامج ( مبتسمون رغم الإعاقة ) كما قال آخر .

شقائق النعمان كانت غضبا تتأجج في مقلتيه , وها هي العصا في يده قد أعياها طرق الأرداف والجذع والأكتاف , وصيحاتنا في الأثير قد جلبت لنا المدد من خلف الجدار القصير بين دارنا ومنزل عمي , فقفزت زوجة عمي عن الجدار مثل ( غزالة وقد جفلت من مقيلها ) , لتذود عنا الأذى , بعد أن شفعت لنا كدرع بشري في حروب الفجار .

مقالات ذات صلة

قبل أبوبنا شفاعة الريم , فلملم بقايا غيظه وجلس لاهثا دون بوح , يطرق الثرى بعصا الطاعة , غير آبه ببحة الأنين في صوتنا المكلوم .
عاتبته زوجة عمي قائلة : اذا كان لا بد من العقاب , فلا تضرب الصغار في مكان من الجسم قد يضرّهم لاحقا .
زمجر والدي قائلا : أي والله ما كنت شايف الضو , مش فاضي أقعد أنقّي , هون بضر ّ وهناك ما بضرّش , خلّي العصاه وين ما أجت تيجي .
مضت السنون وقد تركت على أردافنا ذكرى قبضاته , وكم تحتاج الأجيال لمثله في حاضر الأيام , فخطايا الصغار نعذرها بالجهل وقد أغوتهم فضائيات تثير الغرائز بدل العقول , امّا طيش الكهول في خريف العرب فليس له أعذار .

كانت جروحنا من قصف ( مطارق الرمان ) العشوائي على أجسادنا تلتئم سريعا , لكن من سيجمع شظايا أجسادنا من عشوائية البنادق في جنون العصر , ومن لظى المدافع ومن غباء الأفعال وخيانة المؤتمن ؟؟؟؟؟!!!!! فزوجة عمي لن تقوى على الذود عن أمة وقد علت صيحاتها في كل المدائن .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى