مضايا: قصة الموت جوعا تحت الحصار

أعلن مكتب “الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” في بيان، امس الخميس، تلقيه موافقة من الحكومة السورية لإدخال المساعدات الإنسانية في أقرب وقت إلى ثلاث بلدات سورية، بينها مضايا المحاصرة في ريف دمشق.
وجاء في البيان “ترحب الأمم المتحدة بالموافقة التي تلقتها اليوم من الحكومة السورية في شأن إيصال المساعدات الإنسانية إلى مضايا والفوعة وكفريا، وتعمل على تحضير القوافل لانطلاقها في أقرب فرصة”.
وهزّت صور مأساوية لـ11 ضحية ماتوا جوعاً، بينهم أطفالٌ وشيوخ من بلدة “مضايا” السوريّة المحاصرة، اوساط الراي العام العالمي، اذ فقد أحد الأطفال قدميه، وهو يجمع العشب للطعام، جراء انفجار لغمٍ أرضي مزورع في المنطقة، بحسب إفادات مصادر داخل البلدة.
ورجحت المصادر ذاتها ازدياد عدد الوفيات التي تصاعدت وتيرتها خلال الأيّام الأخيرة، ما لم يتم إدخال مساعدات غذائية وإنسانية عاجلة لسكّان مضايا، حيث تعاني البلدة حصاراً عسكرياً محكماً يفرضه مقاتلو حزب الله والجيش السوري، أمِل السكان بحلحلته في غضون “48 ساعة” من تاريخ 28/12/2015، بحسب بنود تسوية أسفرت ذلك اليوم عن إجلاء مسلحين تحصنوا بمدينة “الزبداني” (غربي دمشق) مع عائلاتهم، مقابل جرحى ونساء وأطفال وشيوخ محاصرين  في “كفريا والفوعة” (ريف إدلب)، عبر الأراضي التركية واللبنانية.
وأوضح مصدرٌ مطلّع على الشأن الميداني في المنطقة أنّ: “(رفض جيش الفتح) و(أحرار الشام) وفصائل مسلحةّ إسلامية أخرى فتح ممر للمساعدات الإنسانية بموجب هذه التسوية لقريتي (كفريا والفوعة) اللتين تحاصرانهما؛ أدى بالمقابل إلى عدم سماح القوات المحاصرة لـ(مضايا) بمرور المساعداتٍ إليها أيضاً”.
وهكذا تفاقم سوء الأوضاع، في البلدة المحاصرة الواقعة بريف دمشق الغربي على ارتفاع 1350م عن سطح البحر، والتي زاد النازحون من البلدات المجاورة كثافتها السكّانية، لتقارب اليوم 50000 نسمة، وصلتهم آخر المساعدات الإنسانية عبر الصليب الأحمر الدولي والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، قبل شهرين تقريباً، بمعدل سلّة غذائية واحدة لكل أسرة، ما أضطر السكان مؤخراً، تحت وطأة الحصار القاسي، لأكل “ورق الشجر، والقطط.”
وأظهرت صورٌ مسربّة من “مضايا” عبر مواقع التواصل الاجتماعي هول مأساة سكّانها، وأثر المجاعة على  أجسادٍ هزيلةٍ لأطفال وشيوخ فارقوا الحياة، بينما يترقب آخرون  المصير ذاته نتيجة استمرار هذا الوضع المأساوي الذي يزيده الشتاء القارس تعقيداً، تلك الصور المفجعة أثارت موجة استنكار وإدانة واسعة للحصار بين السوريين داخل البلاد وخارجها، على اختلاف اصطفافاتهم من الحرب، حيث أعيد نشرها عبر موقع “فيسبوك” مرفقاً بوسم “#مضايا_تموت_ جوعاً”.
كما انتشرت عرائض إلكترونية ومطالبات بفّك الحصار عن البلدة، ولفت أنظار العالم لهذه القضيّة، وحاجة السكّان الماسّة للمساعدات الإنسانية العاجلة، وانضم لهذه الحملات وسائل إعلام محلية في تطورٍ لافت، علّه يفلح بالضغط من أجل إنهاء هذه المأساة سريعاً.
ويقول احد المهددين بالموت في مضايا : “أصبحت مستعداً نفسياً لأكل القطط والكلاب”، اذ يقتصر طعامه اليومي على ملعقة صغيرة من الطحينة مطبوخة لتتحول “حساء” و50 أو 75 غراماً من الارز أو البرغل، ولم يحن وقت تناوله قطة لكن الجوع والحرمان دفع من حوله إلى أكل الحيوانات وطبخ الأعشاب فقط من اجل البقاء على قيد حياة.
وتقول مصادر اخرى، ان بلدة مضايا شهدت أكثر من 30 حالة وفاة بسبب الجوع، غالبيتها في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي وبينهم أطفال ونساء.
يقول “أبو عابد” المنهك من قلة الغذاء: “يومياً يطرق بابي أطفال وشيوخ ورجال يسألون عما يسد الرمق، يحزن المرء أنه لا يستطيع أن يقدم أي شيء، وفي إحدى المرات تواصلنا مع جمعية إغاثية من أجل اسعاف شخص يموت من الجوع، لكنه فارق الحياة قبل الوصول إليه، وهذه الحالة تكررت أكثر من مرة”.
“الرزق على الله” بالنسبة إلى “أبو عابد” الذي يواجه الجوع بملعقة طحينة و50 غراما من الارز، حاله كحال باقي البشر في هذه البلدة “لا قوة للقيام بأي عمل، الخمول طاغ على الناس، ويبتعدون من أي عمل شاق” وفق “أبو عابد” الذي يذكّر بأن “مضايا محاصرة منذ 6 أشهر بمنع ادخال الطحين أو المحروقات وعدد من الأغذية”.
في مضايا كما تروي المصادر، قضى رجل يبلغ وزنه 45 كغم فقط جراء الجوع، واحتاجت عملية نقله نحو 8 رجال لحمله، فقلة الغذاء “هدّت من حيل الرجال”، ومن المنشورات التثقيفية التي تنشر في مضايا: “تحذير للناس بعدم تناول زهرة الزنبق الأزرق وورقها لأنها سامّة”، وأخرى فكاهية نقلها الشاب علاء التناوي: “الله يرحمو للكر(حمار صغير) كان منيح… والله قطة جارنا كانت حلوة بس بدنا ناكل طبخناها”.
وعلى الرغم من غلاء الأسعار فهناك فئة صغيرة تشتري الغذاء، ويقول التناوي: “لهذا السبب نطلب التبرعات حتى تستطيع الناس أن تشتري أي شيء”، مذكراً بأن “مضايا منطقة جبلية والشتاء فيها صعب جداً، خصوصا مع انعدام وجود مواد التدفئة، والثلج صعّب مهمة جمع الأعشاب لطبخها”. اما “أبو عابد فيلفت الى أن “الأموال تصل عبر حوالات، فهناك طرق مختلفة لم اطلع عليها توصل الأموال إلى الجمعيات الإغاثية أو أشخاص لهم علاقات مع الأخيرة”.
وبالنسبة إلى التناوي “إنها حرب إبادة باستخدام سلاح الجوع، وهناك مؤشرات مجزرة جوعاً ان لم تتسارع الاحداث”، وانتقد “خيانة الامم المتحدة لأبناء مضايا وعدم مساعدتها لهم”.-(وكالات)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى