“يا أبو عصاه المجنون”

“يا أبو عصاه المجنون”
د. محمد شواقفة

هذه قصة حقيقية من طفولتي الممتعة البائسة و الشخص الحقيقي الوحيد فيها هو “أنا” و كل الأبطال هم خليط من بقايا صور و ذاكرة مهشمة قد تكون بداية “الزهايمر”أنتظره بشوق.
كنا نذهب للحقول في محيط قريتي “كتم” و هي تكون مزروعة بالقمح و العدس و “الكرسنة”نبحث عن نبته معروفة لأهل اربد اسمها “الجلتون” و هي نبتة صغيرة ثمارها عبارة عن قرون خضراء صغيرة فيها حبيبات صغيرة تشبه عينات صغيرة جدا من الفاصولياء.
كان يحرس هذه الحقول رجل عجوز معروف في القرية بطبعه الحاد و سطوته و كنا نسميه “أبو عصاه” و كان فعلا مصدر رعب لنا و هو فقط من يعكر علينا متعتنا في البحث عن الجلتون في تلك الحقول الشاسعة. كنا ننقسم لعدة فرق تتولى اكبرها فرقة لجمع النبته من وسط الحقل ليتم تجميعها لفريق من الأغرار او الأصغر سنا الذين يتولون عملية نزع القرون من النبته بما يسمى بال “التفريط” و يكون هناك واحدا من الاقل فاعلية يقوم بعملية المراقبة لتنبيهنا في حال ظهور أبو عصاه.
في أحد الغارات، لم ينتبه المراقب لأبي عصاه و شاهد متأخرا جدا و هرب بعيدا و تفاجأت مجموعة التفريط بالعصا فوقهم وتحتهم و تأتيهم من كل صوب. و من هول المفاجأة و الهجمة المباغته صاح أحد أعضاء المجموعة خوفا و جزعا :” ول يا عمي أبو عصاه المجنون” فنال نصيبا مضاعفا من الضرب و التخويف.
كان لصوت صديقنا انذارا مهما لبقية المجموعة للهرب بعيدا قبل أن يطالهم بطش الحارس المرعب بعصاه الرهيبة. بالمقابل كان مراقبنا يحث خطأه هربا من معاقبته عن الإهمال و التقصير. في اليوم التالي كان مدير المدرسة ينادي علينا بالاسم و يعاقبنا بتنظيف حمامات المدرسة بعد أن اعترف علينا الفريط الذي تلقى ضربات العصا.
لا أعرف لماذا تذكرني الحكومة بتصرفاتها بمراقبنا المهمل و الذي فر بجلده عندما داهمنا أبو عصاه و لا أعرف كيف وجدت أن أبا عصاه يشابه الكورونا.و لا أجد لعقوبة المدير لنا شبيها اكثر من قانون الانتخابات….

“دبوس على المجانين”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى