عشق الأردنيين المفرط للسلطة / أ . د أنيس خصاونة

عشق الأردنيين المفرط للسلطة
ستوقفني هذا الميل الجارف لدى بعض الأردنيين، والبعض هنا ليس بقليل، للوصول للسلطة والتمتع ببريق الجاه والأبهة والمجد.تساءلت كثيرا عن أسباب تهالك الكثير من مواطنينا وتقربهم وتزلفهم من أصحاب المناصب والألقاب وتبركهم بهم وكأنهم منحدرين من سبط رسولنا الكريم صلوات الله عليه وآله وصحبه أجمعين.نعم تساءلت دون أن أجد إجابة عن مقاصد من يسعى للمواقع العامة ويبذل الغالي والرخيص، لا بل والرخيص أكثر، من أجل الوصول لهذا الموقع أو ذاك.
تساءلت عن أسباب تنافس وتهافت الكثيرين ليصبحوا أعضاء في مجلس الأعيان ، وهو مجلس غير منتخب ومقحم إقحاما في السلطة التشريعية ، ويشكل عبئا عليها خصوصا عندما يختلف الأعيان مأمورين أو مختارين في بعض القضايا والرؤى مع مجلس النواب.
أتساءل أيضا هل جل من يترشحوا لتمثيل المواطنين في مجلس النواب هم فعلا ساعين لخدمة الناس وتحقيق تطلعاتهم ؟
وإذا كان الأمر كذلك لماذا ينقلب النواب على ناخبيهم ويبتعدوا عنهم بعد نتائج الانتخابات ؟

نعم لم أعد أفهم رؤساء حكومات سابقون متهافتون على تكليفهم برئاسة حكومة ثانية، ويهاجمون أي ناقد للنظام على اعتبار أن ذلك يمكن أن يتسبب بالإضرار بمصالحهم.
سمعنا بآذاننا رئيس حكومتنا عبدالله النسور يخاطب الملك بما هو مخالف لآيات بينات في القرآن الكريم حيث خاطب النسور الملك”يا ابن محمد” وقد تبعه رئيس حكومة سابق ورئيس مجلس أعيان سابق بيخاطبة الملك “يا ولي النعم” وهما في الحالتين بين حريص على الاستمرار في السلطة أو العودة إليها ولو بعد حين.
رأينا عائلات بكاملها ساعية ومهرولة إلى المجد(Glory) عبر مآدبها وملايينها وإسمنتها وفوسفاتها وتعهداتها لتصل إلى كراسي السلطة التشريعية ،وقيادة مؤسسات التعليم في الدولة ، ومتنقلين بين هذا الكرسي وذاك مدللين وكأن الأردن قد أصبح عقيما من شخوص يستأهلون مواقع مثل هذه.
نعم رأينا الأب والابن والحفيد ومعهم الروح القدس أحيانا في مواقع متقدمة في الدولة وبأسلوب ملوكي أو بطريقة العائلات ذات السلالات العريقة في السلطة (dynasty) .
نعم رأينا أشقاء يتقلدون رئاسة السلطات التشريعية والتنفيذية ورأينا الكثير من هذه العجائب التي لا يبدوا أنها تحصل إلا في الأردن والتي كانت قديما حكرا على لبنان وعائلاته السياسية المعروفة .
لو كان سعي هؤلاء للمواقع بأساليب ديمقراطية وبطريقة تعبر عن إرادة الجماهير لقبلنا بها وتفهمنا مآلاتها ومسوغاتها.جورج بوش الابن أصبح رئيسا للولايات المتحدة ليس لأنه ابن بوش الأب ولكن لأنه تم انتخابه من الناس وينطبق الأمر ذاته على أمثلة كثيرة في بريطانيا وكندا وأمريكا.أما الوضع في الأردن فلا نعتقد أن دوافع الكثيرين للوصول للسلطة تكمن في خدمة الوطن والسهر على خدمة المواطنين .
ونكرر لو كان الأمر سعيا للخدمة العامة لما تركز اهتمام النواب على تحسين امتيازاتهم وتقاعدهم ،ولما حرص بعض الوزراء على تعيين أشقائهم جميعهم في مواقع متقدمة، ولما انقلب النواب على ناخبيهم بعدما سرقوا أصواتهم بمعسول الكلام والوعود الحالمة بتلبية طلبات المواطنين في مناطقهم.
نستطيع أن نتفهم تسابق الأحزاب للوصول للسلطة ومواقع صنع القرار حيث يأتي هذا لتحقيق برامجها التي يتم انتخابها على أساسها.لا نستطيع تفهم كيف يقوم الناس بانتخاب نوابهم وهم لم يسمعوا منهم أي برامج لحل مشكلات الوطن الكثيرة !!
نعم لم يسمعوا منهم إلا عبارات “نحن لبعضنا البعض”أو “حنا نسايب وقرايب” “وأصواتنا ما بتروح برا” “والدورة هذه لي والدورة القادمة لك” ناهيك عن شراء الأصوات وبيع الذمم. نعتقد أن الأمر مؤسف جدا في التنافس على المواقع العامة في الأردن تشريعية أو تنفيذية أو حتى أحيانا القضائية.

قل لي عن شخصية قيادية لأقول لك من أوصلها إلى حيث هي.كل معروف سنده والجهة التي يدين لها بالفضل أو على رأي بعض أهلنا “لحم كتافه من خير من”.
إنه البحث عن الجاه والسلطة وإنها والله لفتنة كبيرة أعظم من فتنة النساء والأولاد، إنها فتنة الجاه التي باسمها تفعل الموبقات ويطيح الأخ بأخيه والابن بأبيه وهي في الدنيا تكون الشأن الذي يغنيه عن المبادئ والقيم والأخلاق السامية والمثل العليا لديننا الحنيف.
حب السلطة والجاه للأسف ينمي النفاق ويضحي بالقيم ويطيح بقيمنا النبيلة المتصلة بقول الحق وعدم ممالئة أولي الأمر. نعم إن الأردنيون عاشقون للسلطة متعلقون بالجاه والخدمة العامة ليست جل اهتمامهم ومبلغ همهم .اللهم نسألك أن لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا إنك أنت السميع العليم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى