سلاح الشيطنة / سالم الفلاحات

سلاح الشيطنة
هذا النوع من الأسلحة متداول حتى عند الذين يستعيذون بالله من الشيطان الرجيم مئات المرات دون إدراك عند كل عمل إلا عند الشيطنة.

الشيطنة أن تصنع للآخر أسوأ صورة، أو شكل يمكن أن يتصوره الإنسان، ليصبح مشوهاً مذموماً مدحوراً مكروهاً تستعيذ بالله منه حتى تقول لا مساس، فهو أجرب، ومريض مرضاً معدٍ، وقذر متسخ ورائحته كريهة وحتى شكله مؤذ ولا يطاق، تفوح من كلامه رائحة الشر.

حتى إذا تمت شيطنته، وأصبح لا يطيق أحد رؤيته أو مجالسته أو الاستماع منه على بعد، فلعنه الناس (على غير علم) ورجموه وسلقوه بألسنة حداد اشحة على الخير، وحيدوه وشطبوه إلى الأبد، وجد من يشيطن من شيطنه، إمّا ردة فعلٍ على ما اقترفت يداه، أو الاستمرار في منهج تدمير الأمة واحداً تلو الآخر حتى لا يبقى موثوق ولا مقدر.

والإسلام يأمر بالإعراض عن الجاهلين.

ويعترف للإنسان بالنقص ويتعبده بالتوبة حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

بل زاد عن ذلك بأن الله يبدل سيئات التائبين حسنات سبحانه فقال: ” إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا “.

وهو الستير- يقول الله للعبد يوم القيامة: سترتها في الدنيا وأغفرها لك ثم تطوى صحيفة حسناته، ففرح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي يشكك الزانية والزاني بزناهما لعلكِ..لعلكِ.. ويتأكد من صحة عقلها أو عقله ويشم رائحة التائب فلعله شرب الخمر أو فقد وعيه ولعله…

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر عندما قال له هلكتُ يا رسول الله: (وإن عادوا فعد)، ولم يؤنبه ولم يعاقبه وسأله فقط كيف تجد قلبك ؟

وعلماء الإسلام يتأولون الخطأ للمخطئ، ويمنعون الوقوع في أعراض من خالفهم ويعترفون أن أخطاء البعض البشرية لا تنفي عنهم صفة الخيرية بل تجعل أخطاءهم في بحر فضلهم وخيرهم

حتى قالوا: من لك بأخيك كله.

وقد اعترف الإسلام بإمكانية تعدد الصواب، وكان نهجه الرثاء للضال لا الشماتة فيه، وتوفير الحماية لمن يخطئ ليس ذلك فقط إنما يأجره على خطئه إن كان مجتهداً فيما سوي النص القاطع، وكان أهلاً للاجتهاد بمعنى بذله الوسع في ذلك وقد قرر أنه إذا اجتهد، وفي الحديث الشريف:(إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فاخطأ فله اجر). رواه البخاري

المشيطنون ليسوا بعيدين – ربما – في معظمهم عن التأثر بالتربية الشيطانية وهم لا يعلمون، أما بعضهم فيعلم ويفتخر بالشيطنة، (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً).

ومنهج التدمير هذا سلاح مستمر وذخيرته شبه مجانية وليس بحاجة لمتفرغين ينخرطون في جيش منظم إنما يمكن أن يقوم به النائم على ظهره، والجالس على أريكته، والراكب في سيارته، وحتى ربما الذاهب إلى صلاة الجماعة، والمسافر إلى العمرة أو إلى رحلة سياحية لا فرق.

ولا يحتاج إلى قواذف ومنصات إطلاق وناقلات جنود، إنما يحتاج إلى ضمير ميت وخيال سلبي واسع وبعض الأخبار الصغيرة ولسان (ذرب) حاد لا يسيطر عليه عقل ولا وعي ولا قيم، منفلت من عقاله بل لا عقال له أصلاً، يصنع الحكايات والإفك ويكمل الفراغات إن لم يجد معلومات من مخزن خياله، وقد يقسم عليها إن لزم وقد يفرك يديه ويحوقل ويظهر الألم والخجل، لكنه مضطر لرواية (الحقائق الدامغة) من باب الشهادة والأمانة والنصيحة !!

فإذا وجدت قذيفة الشيطنة من يتلقفها بلسانه لا بعقله طار بها في الآفاق، لأن جهة التلقي عند الكثيرين ليست الأذن والعقل والوعي إنما اللسان فقط.

كما قال الله تعالى: ” إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ “. النور 15

وهو القائل: ” لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ “. النور 12

لم ينج من هجوم الشيطنة إلاّ النادر القليل أو الهامش سواء على ألسنة أبناء الملة الواحدة أو الملل الأخرى !!

هل سلم عمر وعثمان وعلي وخالد بن الوليد رضي الله عنهم أجمعين ؟

هل سلم سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز، وصلاح الدين، والعز بن عبد السلام، وعز الدين القسام، وجمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومحمد عبده، وحسن البنا، وسيد قطب، ومحمد الفاتح، والسلطان عبد الحميد، ليسلم غيرهم اليوم ؟

إن تحطيم هؤلاء العمالقة وشيطنتهم تحطيم للأمة حيث لا تبقى ثقة بأحد.. فيكون الدمار.

وهكذا فهو سلاح مستمر الفتك وبمتناول يد الجميع ولا يمنع من استخدامه إلا الدين والخلق والقيم والوعي فإن غابت وقعت الواقعة.

سالم الفلاحات

3/1/2016م

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى