موقف عمومي

#موقف_عمومي
د. هاشم غرايبه

شهدت السنوات العشرون الماضية انتشارا واسعا للمنظمات الغربية غير الحكومية في المنطقة العربية، رغم أن عنوانها كان تنمية المجتمعات، إلا أن نفعها الوحيد كان تشغيل بعض العاطلين عن العمل، واستفاد من رواتبها المجزية أولئك المتحمسون لنشر الثقافة الغربية، لاعتقادهم أن ثقافتنا متخلفة والتمسك بها هو أهم عوامل تخلفنا، لذا فالمنخرطون في تلك البرامج الغربية المشبوهة الدوافع هم أكثر الناس تحمسا لذلك إضافة الى الحالمين بالقضاء على الدين وبعض النسوة المتحمسات لـ (تاء التأنيث) كرد فعل على التسلط الذكوري.
سأعرض هنا بابا واحدا من تلك الأنشطة الممولة بسخاء وهو باب #تمكين_المرأة.
إن كان الموضوع متعلقا بتمكين المرأة من أداء دورها الطبيعي البنّاء في المجتمع، فلا أعرف مجتمعا قديما ولا حديثا لم يمكّن للمرأة من أداء دورها الخاص كأنثى الى جانب دور الرجل كذكر، مع تباين في هذه الأدوار بين مجتمع وآخر، لكنه في جميع الأحوال، لم تكن الأنثى في أي مجتمع معطلة.
ففي مجتمعاتنا الأصيلة سواء كانت الريفية أو البدوية، نجد أن نبذ الإختلاط المفسد لم يحل دون ممارسة المرأة لدور اجتماعي واقتصادي لا يقل أهمية عن دور الرجل، ولا يعني غياب الدور الزعامي في المجتمع للمرأة نظرة دونية ولا تقليلا من شأنها، بل إن ذلك مرتبط بالطبيعة التي فطرت عليها الأنثى، فهي لا تريد الرجل تابعا يأتمر بأمرها وينفذ توجيهاتها، بل تراه في أربع صور: أبا حنونا أو أخا عطوفا أو ابنا حبيبا، أو زوجاً قواماً عليها، يؤمن احتياجات الأسرة وحاميا لها وسندا.
أما في باب الحقوق الإنسانية الأساسية، فلنعترف بداية أن المرأة لم تحصل بعد عليها، سواء في المجتمعات الغربية أو الشرقية، الفارق أن المجتمعات الرأسمالية الغربية ظاهرها المساواة وباطنها الإستغلال، فبذريعة التحرر من قيود الأهل والتقاليد، حولت جسد المرأة الى سلعة استثمارية، سواء كان باستغلال مفاتنها في الإعلانات والعروض التسويقية، أو في الإتجار بالجنس وأدواته، كما وجد الرأسماليون سوقا مربحة في استغلال شغفها بالأزياء والعطور ومستحضرات التجميل.
في المجتمعات الشرقية كان القليل من الإستغلال لكن الكثير من الظلم الإجتماعي، فما زالت رواسب الماضي الذي كان يعتبر المرأة مجلبة للعار كإبنة، همُّ أبيها أن يزوجها وهي بحالة الصون والعفاف، ليصبح هم زوجها أن تظل حرمه المصون، ورغم أن الإسلام قد قضى على الكثير من المفاهيم الظالمة للمرأة، إلا أن كثيرين ما زالوا يُلبِسون نظرتهم المتعصبة أحكاما دينية، فيلجأون الى ليِّ أعناق الأحكام الشرعية افتئاتاً بدافع من وساوسهم وأمراضهم النفسية.
والأنكى من ذلك أن المرأة في الغرب وقعت من جديد وبإسم التحرر ضحية للاستغلال وامتهان لكرامتها الإنسانية واستثمار للأنوثة في غير ما خلقت لها، فالأصل في جمال المرأة أن يكون وسيلة للرباط الزوجي من أجل أسرة مستقرة متحابة لإنتاج أطفال سعداء، أما أن يصبح استعراضا للعموم، فهذا مخالف لطبيعة الأنثى الأساسي في الحياة كأم، فاللباس الكاشف لصدرها بهدف استثارة الغرائز مناقض للهدف الأسمى من خلقه وهو إطعام المولود، كما أن الملابس القصيرة أو السراويل اللصيقة ما هي إلا حيلة للإشارة الى المنطقة الجنسية للمرأة.
أليس في ذلك تقليدٌ للبهائم التي عورتها مكشوفة؟ أو لم يروا أن الحيوانات جميعا قد خلق الله لها ذيلا ليسترها، ما عدا الإنسان الذي كرمه فأنزل الله عليه لباسا تمييزا له وحماية وتجميلا.. هل من التقدم والتحضر أن يترك ذلك ويهبط الى مرتبة الحيوانات العارية؟.
وينطبق ذلك على تغطية شعر المرأة، فذلك تكريم لها واحترام، بدليل أن أي فنان غربي لو أراد رسم صورة السيدة مريم العذراء، لن يرسمها مكشوفة الشعر أو الساقين.
تحرر المرأة وتمكنها من نيل حقوقها يكون في امتلاكها لعناصر التأثير الإيجابي في العقول والذي يتأتى من تفوقها العلمي، بعد أدائها لدورها الأساسي الأُسري، وليس ذلك المتأتي من الإعجاب بمفاتن تلك الأجزاء التي قَصُرَت ملابسُها عن تغطيتها.
لن تفلح تلك المنظمات في تبديل ثقافتنا، مثلما أنها لن تحقق أي نفع لمجتمعاتنا طالما ظل اهتمامها منصبا على اعتبار أن كشف الشعر أو تغطيته هو الحَكَمُ على مدى تقدمية المرأة من رجعيتها.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى