إنتبهوا..المَحطةُ القادِمةُ هي ! / عبدالكريم أبو زنيمه

إنتبهوا..المَحطةُ القادِمةُ هي !

كانَ أول ما تعلمناه من اللغة الروسية عندما أُبتُعِثنا للدراسةِ هُناك عام 1976 هي هَذهِ الجُملة “إنتبهوا..المحطة القادمة هي..” ، كانت هذه الجُملة تُذاعُ في محطاتِ المترو بصوتٍ نسائيٍ جَميل من خلال سماعات موجودة داخل عربة المترو ، فعندما كُنا نركب في محطة القطار وينطلق بنا إلى محطته التالية كنا نسمع هذا الصوت الذي حفظناه وفهمناه من أول رحلة في المترو ،هذا الصوت هو إعلانٌ للراكبين عن إسمِ المحطة القادمة ، وبمجردِ إنطلاق المترو يبدأ الرُكاب الذين يقصدون المحطة المُسماة في الإعلان بالاقترابِ من الأبوابِ للنزول ، كُنا نسمعُ هذا الإعلان يومياً على مدار الستِ سنوات التي أمضيناها في روسيا .
تخرجنا وعادَ كُلٌ منا إلى بلادهِ عام (1981) ومُنذُ ذَلك التاريخ ونحن نسمع عن محطاتٍ أمريكية تَصدحُ بلُغة قُرآننا الكريم بأصوات رجال من على منابر بيوت الله يشوبها البُكاء والنحيب على أعراضٍ تُنتهك ومجازر وفضائع تُرتكب في بلادٍ لا يعرف غالبيتنا أينَ هي ، فكانت المحطة الاولى هي أفغانستان ! بعد أنّ حررناها وأصبحت واحةً للأمنِ والطمأنينة وأرض للسلام والاسلام أهدينا مفاتيحها للكاوبوي الأمريكي ، بعدها أُعلن عَن المحطة القادمة بذاتِ الأُسلوب ، أي النحيب والاستعطاف والتحريض لنُحرر البوسنيات المؤمنات القانتات من ظُلمِ أهل الكفر والطُغيان الصربِ الأنجاس ومن ثَم سلمنا كل يوغسلافيا لراعي البقر الأمريكي المؤمن الطاهر ، وتتالى بعدُ ذلك الإعلان عن المحطات وصولاً إلى سوريا ، اليوم وبعدَ أن مُني مشروعهم بالفشل ، إعترف مُعظم من تآمر وخطط ومول ونفذ الحرب الإرهابية بأنَّهُم أرادوا تدمير وتفتيت سوريا بل والمنطقة العربية خِدمةً للمشروعِ الصُهيونيّ الكبير وبالأمس صَرَّح نتنياهو بعد أنّ تأكدت لَهُ هزيمتهم في سوريا بكُلِ صراحة بأنَّ مُعظم قادة داعش والنصرة وبعض الفصائل الإسلامية الأُخرى هُم من الموساد الاسرائيلي أو يعملونَ بأوامرها ! فهل هُناك أحدٌ من أهلِ الإفتاء الذين أفتوا بوجوبِ الجِهاد في سوريا أن يُنّور لي بصيرتي ويُجيبني عن سؤالي : أيُّهُم الشهيد الذي سيظفَرُ بالحورِ العين.. المُسلم السُني الغازي لأرضِ الشامِ من الجَزيرةِ العَربية أم المُسلم السُني السوري المُدافع عَن مالهِ وأرضهِ وعَرضه !
اليوم ، بدأت ذات الجماعات بصيانةِ سماعاتِ المساجد وبالتدربِ على الخُطَبِ التثويرية والعاطفية للتباكي والنحيب على حرائرِ بورما ، ذاتُهُم يُفبرِكونَ الصور ويجمعونها من أراشيفِ صورِ الكوارث التي حصلت في القارات الخمس ويسوّقونَهَا على أنَّها مذابح بحقِ المُسلمينَ في بورما ، فهل توقفت المذابح والمجازر بين أتباع الدين الواحد..الذين يعبدون إلهاً واحداً ونبيهم واحد وقبلتهم واحدة وتَشهدهم وصلاتهم واحدة وعمرتهم وحجهم واحد..هل تآخوا في الله وأوقفوا شلالات الدم بينهم لينتصروا لمسلمي بورما ! وللتذكيرِ فَقط تمت فَبركة ما لا عن (600) حادثة إقشعرت لها الأبدانُ في سوريا “هذا بإعتراف الغرب أنفسهم” ، عندما حدثت مأساةُ الأقصى بالأمس غابت هذه العمائم وانخرَسَت ألسنتهم وتعامت أعيُنُهم عن المجازرِ الحقيقية بحقِ المُسلمين المُرابطين حولَه ، اليوم وعلى مدار أكثر من عامين تُرتكب أفظع المجازر التي عرفها التاريخ باليمن ولم نسمع مِنهم كلمة حق ، ولم أسمع يوماً صوتاً ينتصر لدينِ الله ولقرآنه الذي وَرَد فيه : “وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فأصلحوا بينهما ”
أحقاً لا يُلدغ المؤمن من نفسِ الجُحر مرتين ؟ لكن كيفَ نُفسر إنسياق المُضللينَ الى ميادين القتال ظناً مِنهم أنَّهم يُجاهدون في سبيلِ الله ؟ أولئك الذينَ يُعتقلونَ كإرهابيين ويذبحون حالَ تَحقُقِ الأهدافِ الأمريكية !
بإختصار هناك إكتشافاتٌ نِفطية في بورما ، وهُناك العملاق الصيني الذي تفوق إقتصادُهُ على الإقتصاد الامريكي ، هناك البنك الدولي للتنمية الذي يجري تأسيسة وسيكونُ مُنافساً لصُندوقِ النَقدِ الدولي الذي أفْقَرَ شعوب العالم ، هُناك مجموعة البركس التي ستتعامل بعملاتها الوطنية وبالذهب وليس بالدولار..فكم سيفقِدُ سيد العالم “الدولار” من قيمتهِ ! كل ما يجري هناك لا علاقة له بالاسلام وانما هي مجموعة أنفصالية بأموال خليجية بتخطيط أمريكي ، ولهذا إنتبهوا…المَحطة الامريكية القادمة هي بورما “مينمار” .
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى