حرب البسوس واغتيال رائد الفضاء / عبدالرحمن رشيد المومني

حرب البسوس واغتيال رائد الفضاء

اخي المواطن… اذا ما سألنا اخونا المواطن الخبير عن سبب حرب البسوس… فانك مباشرة ستجده قد عدل جلسته… واستل يديه كون ان الكلام لا يصح دون حركة اليدين… ولفرط الحماس ستلاحظ اتساع بؤبؤ العينين.. وانفراج شفتيه بابتسامته النصر عن سيجارة الوينستون.. كون انه بذكائه وعمق نظرته يعلم الحقيقة المطلقة بداية من الصيدلة والطب البديل.. ونهاية بالطريقة المثلى لاسترداد الأندلس… وسيقول لنا.. (حرب البسوس كانت حرب طاحنه مات بها نصف العرب.. من اجل ناقه… فعلاً انه العقل زينه !!! مجانين الله لا يعوضهم!!!)

صدقني اخي المواطن… ليس عليك تصديق ذلك… ليس عليك ان تنضم لطابور طويل من الذين يسفهون تاريخنا.. يسفهون الاسباب ولا يذهبون لابعد من القشور… ولا يحكمون بميزان الزمان والمكان… وغرائز وقيم ومعاني فطرنا عليها وما زالت تمتد في اعماقنا حتى اليوم.

في تاريخنا الانساني.. كعرب.. ستجد جذوراً ضاربة من المعاني والقيم… الأنفه.. العزة… الشهامة… رفض الذل.. الكرامة… الفروسية… الكرم.. الحمية… التضحية.
يجود الزمان برجال قليلون… يخرجون بهذه المعاني الكامنة باعماقهم الى حيز التطبيق … وهؤلاء لن يعنيهم حجم السواد والدمار حولهم ولن يروه اساساً. اما الاغلبية… فتبقى هذه المعاني كامنه بهم على شكل حكايات وامنيات هم اضعف من تحقيقها واضعف من ان ينجحوا بالثبات عليها اذا ما دار عجل الحياة ووضعهم بالاختبار. وهؤلاء سيلجأون الى رسم ملامح عالم كاذب ومريض وهزيل.. ليبرروا لأنفسهم ما هم عليه ولا يشعرون بالغربة والشذوذ.

مقالات ذات صلة

ان هذه القيم هي التي انجبت كليب وائل باحلامه وفكره السابق لزمانه بأشواط.. بمشروعه لجعل الكيان العربي مملكة لها حضور ومهابة الفرس و الروم.. محاولته للخروج من اطار التبعيه والتشتت ورأى بأننا أنداد.. ورأى الممكن في تحقيق ذلك ولو بقوة النار والحديد.. حيث انها لغة الخطاب السائدة في الوقت والزمان الذي عاش فيه. القيم التي انجبت كليب.. بانفته وعزته وكرامته ومهابته التي لا تتجزأ… هي التي انجبت الحارث بن عباد… برجولته وحكمته ونفاذ بصيرته… وعبر الزمان والمكان… فهذه الروح والقيم هي نفسها التي انجبت وصفي التل و هزاع المجالي و مشهور الحديثه.. وغيرهم الكثير من الرجال الرجال على ارض هذا الوطن… اليسوا جميعهم رجال مليؤون بهذه المثل والصفات… ويعرفون اقدار الرجال ويعلمون تماما ما هو المقال الأمثل لكل مقام؟.
وليس هذا مقام الجدل حول تشبيه الشخصيات بعضها ببعض.. وبعيداً عن هذا الجدل فان ما ارمي اليه كما قلت سابقاً بان الزمان يجود برجال يخرجون بالقيم المغروسة في العمق الى حيز التطبيق… وهذا هو الجوهر في الرجال الذين غيروا التاريخ وحفروا اسمائهم في صفحته… بداية من عرب الجاهلية ومروراً بتتابع الدول الاسلامية ونهاية بأقطارنا… فهم موجودون في وطني.. أردن النشامى.. والعراق وسوريا وفلسطين ومصر والمغرب… موجودون في كل ركن من اركان عروبتنا.. في كل دولة ومدينة… وجميعهم نتاج بنية اخلاقية وصفات رجولية امتلكوا القوة والعزيمة والرؤية… لجعلها حقيقة.

انا لست في معرض الدفاع عن حرب البسوس وتبريرها… بالنهاية.. فان الرجال الرجال قد يخطئون… والخطأ في التقدير والقرار هو ميزتنا العظمى كبشر.. وما اجمل ان تكون عظيماً الى جوار ان تكون بشري. فعليك السلام يا كليب بن ربيعة.

وحين نتحدث عن العنف الجامعي… فان الجميع يحاول وضع الاسباب.. ولا استثني نفسي طبعاً.. ونضع اسباب منها… نظام التوجيهي.. نظام قبولات الجامعه… عدم احتشام الفتيات… تقليم الشباب لحواجبهم… غياب القدوة والبنية الاخلاقية للاستاذ الجامعي.. البطالة والمستقبل المعتم… الفساد وانقلاب موازين العدل والايمان بها… وغيرها الكثير… قد تصل الى ان نقول ان رائد الفضاء هو السبب.. وربما بعضها او حتى كلها صحيح.

ان كل المذكور اعلاه واكثر… هو من المشكلات والتحديات التي تواجه الشاب في بداية طريقه… وهو دون الكثير من التفكير سيرى انه عاجز عن اصلاح وهزيمة كل ذلك…

هنا علينا ان نتذكر ان هذا الشاب .. العربي.. الأردني.. بجيناته.. وقصص البطوله والفروسيه والقوة التي سمعها طوال حياته… بداية بأبيه (صائد الأفاعي والضباع .. محطم الجنازير… خبير الأسلحة… المنتصر وحيداً على خمسة عشر رجلاً في هوشة بأحد الأعراس… والمفتون بخمسة عشر رجلاً ماتوا من اجل صندوق في جزيرة الكنز).. ونهايةً بالمجتمع باكمله من حوله.. هذا الشاب يرفض الهزيمة. يرفض الاحساس بان لا حول له ولا قوة… وانه مهزوم مهزوم ابد الآبدين… عندها .. يبدأ باختلاق أي تحدي ليثبت لنفسه اولا انه قادر على النصر بشيء ما… هرباً من عدوه الأول والأعظم.. الا وهو الحياة.

ان هؤلاء الشباب الذين ينخرطون في العنف الجامعي.. ليسو بالضرورة شباب بلا مباديء… على العكس تماماً… انهم مليؤون بالمباديء والقيم والرجولة التي اخذت المسار الخاطيء… بعضهم يلتف حول الحمية والعصبية القبلية.. وهو يعتبر نفسه المدافع والمسؤول عن كرامة قبيلته… بعضهم تستفزه الحمية والغيرة على الشرف والعرض… بعضهم مستعد ان يخسر حياته على ان لا يخسر كرامته واحترامه لذاته… والكثير الكثير…
علينا ان نتفق على خلل المفاهيم… وان الشاب الذي يعتقد ان كل الدنيا تحاول النيل من كرامته… حتى ابسط نسمات الهواء تجرح كرامته… هو في الحقيقة يحمل مفهوماً مغلوطاً وهشاً عن الكرامة وهو ضعيف ومهزوز في العمق حتى لو كان خريج نادي كمال اجسام ويحمل (خوصة) او مسدس في حزامه المعنون بجمجمة حديدية من الامام.

ان محاولة القول ان الحل للعنف الجامعي… هو بحل كل المشكلات وتحطيم كل العقبات سالفة الذكر امام الطالب الجامعي… هو تماما كأن نقول ان الحل يبدأ باغتيال رائد الفضاء. لا يا سادتي… ان الحل يبدأ بالتوجيه… والبنية العاطفية والاخلاقية لشبابنا… الحل يبدأ بأن يفهم الشباب ان توجيه اصبع الاتهام لأي شخص او شيء على ما هم فيه هو العامل المشترك في كل قصص الفشل. ان يفهموا ان الحياة تضعهم حيث يضعون ويرون انفسهم… وان كرامتهم تكون حيث يضعونها… فمن كرامته ملقاه في الطرقات سيرى الجميع يحاول دوسها… ومن كرامته قيمة عظمى في حصن حصين في اعماق نفسه… سيرى الكون من حوله صغيرا وابعد من ان ينال من كرامته بخدش.
اذا امعنت في دراسات علم النفس وسيكولوجيا الانسان والنمو الفكري والثقافي له… ستجد ان احدث النتائج تطابق تماماً جواب علي بن ابي طالب رضي الله عنه عندما سألوه كيف نربي اولادنا.. فقال (علِّمهُ سبع.. وأدِّبهُ سبع… وصاحبهُ سبع.. ثم اترك الحبل على الغارب).

فالسبع سنوات الأولى من عمر ابنك.. سيتعلم بها منك المعاني والقيم العظمى… سيتعلم بها معنى الكرامة والرجولة وعزة النفس.. سيتعلم معنى الوفاء والبر… سيتعلم بها معنى القوة الحقيقية والثقة بالنفس ويتعلم معنى ان يعتني باخته ويحميها دون ان يسلبها كل معاني الحياة. وفي السبع سنوات التي تليها… تلك التي سيحاول ان يصنع كياناً مستقلاً ويتأثر بكل العالم المحيط من حوله… عليك توجيهه وتقويمه وابقاءه ثابتا على القيم التي زرعتها به. وبهذا… تكتمل البنية الفكرية وطريقة التعاطي مع الحياة والقيم لدى ابنائنا قبل وصولهم الجامعة بسنوات.

ما أرمي اليه…
علموا اولادكم… ان الرجولة في مواجهة مشاكلهم مهما كانت صعبة وليس بالهرب منها او انتظار من يحلها لهم… علموهم ان الرجولة والثقة بالنفس لفعل الصواب والالتزام بالخلق حتى لو كان فرداً وحيداً بهذا الطريق… علموا اولادكم ان الامعه المنساق كالاعمى خلف الهرج والمرج ليس برجل حتى وان لفت الاضواء اليه فهو يبقى امَّعه.. علموا اولادكم ان رزقكم في السماء وما توعدون… علموهم ان عليهم اداء واجبهم و بذل جهدهم وعرقهم واستغلال ذكائهم وثقافتهم ورؤيتهم.. عليهم نحت الصخر ومواجة الحياة… وعليهم الايمان بانهم بعد ان يفعلوا ذلك.. رزقهم مقدر لهم في السماء.. لن ينقصه او يزيده شيء.
علموا اولادكم ان عشائرنا.. قرانا… ومدننا… ووطننا.. بحاجة لمن يدافع عنها ويرفع رأسها… وان هذه العزة والقوة هي اليوم تتمثل بالعلم والمعرفة… باشخاص ينقشون اسماء آبائهم وعشائرهم ووطنهم على صفحات الخلود في العلم والأدب والفن بمختلف اشكاله.. وان هذه العزة والقوة… هي في كل زمان ومكان… جوهرها الاخلاق… اخلاق الفرسان… اخلاق النشامى الحقيقيون.

عندها.. صدقني.. انت لن تقلق ابداً لو حمل ابنك جيتاراً لا يحسن العزف عليه وجلس في شارع الرينبو يحاول لفت انتباه الفتيات… ولن تكترث للتنين المرسوم على ساعده او لكمية ونوع مثبت الشعر الذي يستخدمه… او للسلسال الفضي الذي يرتديه… لأنك تعلم انه سيتمكن من اجتياز الحياة ولن يهرب للصفوف الخلفية اذا ما دارت الرحى.. لأنك تعلم انه سيرمي الجيتار وينضم في اعتصام زملائه للدفاع عن حقهم بالتعليم… عن حقهم بالحصول على البيئة النظيفه.. يقفون ارسخ من الجبال في وجه المتاجرين باحلامهم. او حتى (في حال لم يكن عزفه رديئاً) يصنع من جيتاره … او موهبته التي حباه بها الله اياً كانت… فكراً وفناً ثورياً ايجابياً… ويصبح هو منارة يهتدي بها اقرانه.

ستجد ابنك لا يتزلق للحكومة… ستجده يقف الى جوار زملائه امثاله.. يفكرون وفق معطيات زمانهم… يجدون الحلول ويحاربون حكومة الصفقات والتجارة بالعلم والشباب.. ستجده لا يتنازل عن حقه… لن يقبل العمل كمهندس براتب 150 دينار… لانه يعلم انه بالتخلي عن حقه يطعن جيلاً كاملاً من رفاقه ويفتح الابواب لاستغلالهم حتى النخاع.
سترى ابنك يرى بوضوح اننا في هذا الوطن نملك انتاجاً من العقول والشهادات يفوق القدرة الاستيعابية لسوق العمل باضعاف واضعاف… ستجده يدرك الحقيقة من تلقاء نفسه.. بان على عاتقه يقع التحدي والمواجهه بانه وحده المسؤول عن ان يثبت وجوده بعلمه وقدراته وتميزه عن سواه … ولن تجده يفني ايامه وعمره بالمقاهي ولعب الشدة والبحث عن حدا بيبيع حشيش… يفني ايامه بكل ما يغتال عمره و روحه وهو يقول (الله يلعنها من حكومة… احنا بنتعب وبنشقى وهمه بيعطوا الوظايف لفلان وفلان).

مرة اخرى… انا لا اسلط الضوء على المنزل والتربية لابعده عن حكومة الفساد… لكننا بحاجة لسلاح قوي نحارب به… والتاريخ يثبت ان اعظم الاسلحة في يد كل شعب… هو شباب نشأوا على ان يكونوا…. الرجال الرجال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى