صفقة من أجل المفاوضات / محمود أبو هلال

صفقة من أجل المفاوضات
محمود أبو هلال

استطاعت اسرائيل ومن خلفها أمريكا خلق زخم لوهم السلام بغياب حدث فعلي على الأرض وذلك بتقديم مقترحات، تجري على ضوئها محادثات ومفاوضات وأخذ ورد، بهدف الإبقاء على مشاركة الجميع في ما يسمى العملية السلمية والتقيّد بالسلام كمبدأ، دون الاقتراب من سلام فعلي على الأرض، لأنه مرفوض إسرائيليًا أيًا كان، وبالنتيجة أصبح هناك عملية سلام ومبدأ سلام دون سلام، وصفقة القرن التي أعلن عنها اليوم لا تبتعد عن هذا الإطار.
تاريخيا لم تطرح إسرائيل أي عرض أو مقترحات فيما يخص “السلام” لأنها تراهن على عامل الوقت الذي هو في صالحها، حيث تكفل العالم وأحيانا العرب بطرح مبادرات وأفكار كانت ترفضها إسرائيل أو تلتزم الصمت حيالها وتكتفي بالرفض الفلسطيني العربي.
منذ عامين والجميع يتحدث عن صفقة قرن ومنذ ذلك الوقت حتى اللحظة يقال لنا أنها وشيكة في غضون أسابيع أو أشهر، وفي سبيل الحفاظ على التشويق المتزايد بفحوى الصفقة، ظهرت تسريبات من مصادر عربية وإسرائيلية وعالمية، تضمّنت مقترحات مرفوضة فلسطينيًا ومن غالبية الدول العربية، وهنا بدأ سيل من الأسئلة وتحولت الإجابات إلى لعبة تخمين، فجاءت المقالات والتحليلات والنقاشات، إلى جانب المعارك التي اندلعت على فيسبوك وتويتر، بعيدة عن السبب الرئيسي لطرح الصفقة والذي هو بالأساس طي كل المبادرات والمؤتمرات والمباحثات السابقة، واعتبار بنود الصفقة نقطة انطلاق جديدة، حتى إذا قُبلت بعض بنودها بعد سنوات، سيُعلن عن صفقة جديدة بمقترحات جديدة وهكذا دواليك.
الصفقة أو مجموعة المقترحات صيغت لترفض أصلا ومن ثم يفتح باب التفاوض حولها مع غض طرف عالمي عن الإجراءات الأحادية التي تمارسها اسرائيل على الأرض من خلال توسع المستوطنات وإضفاء الشرعية عليها وتسارع عمليات مصادرة الأراضي وهدم المنازل واستغلال الموارد الفلسطينية، الأمر الذي لا يمكن أن يحصل أي سلام معه مستقبلا فضلأ عن الوقت الآني.
وفي عجالة نذكر بمؤتمر مدريد والذي الذي أزال دواعي القداسة وتلاشي موانع التحريم من الجانب العربي لمبدأ المفاوضات، وبما قاله شامير رئيس وزراء إسرائيل في سياق تفسير اضطراره المشاركة في المؤتمر: “أن إسرائيل ستفاوض لسنوات من أجل تمرير الوقت، وفرض واقع جديد على الأرض”.
ومنذ مدريد وما قبله لغاية اللحظة لم يحدث تغيير على الاستراتيجية الاسرائيلية والتغيير الذي يمكن تسجيله: أن الناطق باسم الوفد الإسرائيلي آن ذلك نتنياهو الآن هو رئيس الحكومة المنتظر وهو بالقطع يؤمن بذات الاستراتيجية، بأنّ هناك شيئا اسمه التفاوض من أجل التفاوض، يرافقه فرض وقائع على الأرض لصالح اسرائيل.
التغيير الآخر هو بالموقف الأميركي الذي تبنى الموقف الإسرائيلي القائم على التفاوض من أجل التفاوض والتراجع عن تحديد موعد محدد لنهاية المفاوضات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى