لمواجهة صفقة القرن؛ الملكية الدستورية هي الحل

لمواجهة صفقة القرن؛
الملكية الدستورية هي الحل
د. ماجد العبلي

السؤال الإيحائي غير البريء الذي يتم طرحه بإغواء – حاليا- لغاية التمهيد والتهيئة لإعلان موافقة الأردن المنجزة على صفقة القرن هو:
هل يستطيع الأردن الصمود أمام الضغوط الأمريكية للموافقة على صفقة القرن؟
والإجابة الجاهزة المجهزة وفقا لتيار (الواقعية السياسية) الذي يتحكم بمفاصل الدولة حاليا: أن الأردن لا يستطيع؛ حيث يروّج هذا التيار استراتيجية (قلة الحيلة والإذعان)، لإخراج مشهد مفبرك يُظهر موافقة الأردن باعتبارها استجابة لحقيقة عدم امتلاكه أية خيارات أخرى.
وإن النظرة الاستاتيكية للمشهد (الواقعي) تشير إلى أن الأردن بتركيبته الحالية لا يستطيع فعلا؛ ذلك لأن هذه التركيبة هشة جدا لا تؤهله للصمود (إلا قليلا).
ويمكن تجلية هذه الهشاشة من خلال إبرازالنقاط التالية:
أولا: السلطة السيادية كاملة مُجَمّعة بيد الملك منفردا؛ ما يجعله هدفا وحيدا ومحددا وواضحا للضغوط الخارجية، حيث ينوء بحمل ثقيل وحيدا، إذْ لا شركاء له في صنع القرار يحملون معه الهم الوطني: لا مؤسسات(سيادية)، ولا مؤسسات مجتمع مدني، ولامعارضة وطنية، وهذا يجعل مهمة الأطراف الخارجية الضاغطة أسهل وأقل كلفة بالمفهوم الواسع للكلمة.
ثانيا: الشعب مُهمّش تماما، وليس مسموح له إلا دور واحد فقط هو: التصفيق للصواب وللخطأ للجهة نفسها، في الوقت نفسه، وذلك تحت المتابعة الأمنية.
ثالثا: كل رجالات الوطن المعروفين بوطنيتهم، سياسيين وعسكريين متقاعدين، وكل قيادات مؤسسات المجتمع المدني، مُهمّشين ومحيدين تماما.
رابعا: الإطار السياسي المحيط بالملك، يديرون الأردن كشركة من ناحية، ويديرونها بالتساوق مع المصالح الأمريكية – الإسرائيلية من ناحية أخرى، ويكرسون تهميش الشعب وقياداته الوطنية من ناحية ثالثة.
خامسا: هناك مؤسسات وطنية كانت عقل الدولة وعمودها الفقري في حقبة تاريخية ماضية، والآن لا يتم الاستماع لها.
سادسا: اعتماد صانع القرار طريقة تفكير تقليدية من ناحية، وتركيزه فقط على الخيارات الخارجية من ناحية أخرى… إلى غير ذلك…
ولكن استراتيجية (قلة الحيلة والإذعان) لا تليق بالدولة: أيّة دولة، ومهما كانت ضعيفة، حيث هناك دائما حلول إبداعية استراتيجية تنتجها النظرة الديناميكية منها:
إعادة بناء الدولة من الداخل بطريقة إبداعية غير متوقعة، لتكون قوية صلبة بوجه الضغوطات الخارجية، وذلك عبر تفعيل وتشغيل وتوظيف كامل الطاقات الوطنية الكامنة.
ولكن كيف؟
يمكن تحقيق ذلك عن طريق التحوّل بالأردن إلى (الملكية الدستورية) بصورتها القانونية الديمقراطية العادلة، التي تعني توزيع السلطة دستوريا بين المؤسسات السيادية دون تغوّل إحداها على الأخرى. وهكذا تصبح سلطة الملك جزئية لا تمكنه من الانفراد بالقرار الوطني، حيث لديه شركاء مساوون له في سلطة صنع واتخاذ القرار (المؤسسات السيادية)، يتحملون معه المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية المترتبة على أي قرار وطني استراتيجي يتم اتخاذه، ويحملون معه الهم الوطني.
وهذا سيجعل الملك أقوى بمواجهة الضغوطات الخارجية، حيث ستمنحه هذه الصيغة الجديدة مساحة كبيرة من المناورة؛ ما يجعل مركزه أقوى على طاولة المفاوضات، ويمنحه فرصا عديدة للمراجعة وإعادة قراءة الصيغ المعروضة، بدل أن تكون مفروضة.
وبما أن التحول نحو الملكية الدستورية يحتاج فترة زمنية طويلة نسبيا، ينشغل فيها الملك بإعادة بناء الوطن من الداخل على أسس المواطنة والديمقراطية والعدالة والمساواة وسيادة القانون، فإن ذلك يعني تأجيل حسم القرار الأردني بخصوص صفقة القرن على المدى القريب، الأمر الذي من شأنه إضعاف كفاءة وفاعلية الضغوط الخارجية، ما سينعكس إيجابا على البيئة الوطنية الداخلية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى